صفحة رقم ٢٧٦
البغضاء الذين صاروا بتوليهم في محل البعد ) بالمؤمنين ( اي بالكاملين في الإيمان قولاً وعقداً، وإنما هم من أهل الوصف اللساني، المجرد عن المعنى الإيقاني.
ولما فضحهم بما أخفه من توليهم، قبح عليهم ما أظهروه، فقال معبراً بأداة التحقيق :( وإذا دعوا ) أي الذين ادعوا الإيمان من أي داع كان ) إلى الله ) أي ما نصب الملك الأعظم من أحاكمه ) ورسوله ليحكم ) أي الرسول ) بينهم ( بما أراه الله ) إذا فريق منهم ) أي ناس مجبولون على الأذى المفرق ) معرضون ) أي فاجؤوا الإعراض، إذا كان الحق عليهم، لاتباعهم أهواءهم، مفاجأة تؤذن بثباتهم فيه ) وإن يكن ) أي كوناً ثابتاً جداً ) لهم ) أي على سبيل الفرض ) الحق ) أي بلا شيهة ) يأتوا إليه ) أي بالرسول ) مذعنين ) أي منقادين أتم انقياد لما وافق من أهوائهم لعلمهم أنه دائر مع الحق لهم وعليهم، لا لطاعة الله ورسوله ( ﷺ ).
ولما كان سبب فعلهم هذا بعد إظهارهم الطاعة مشكلاً، ناسب أن يسأل عنه، فقال تعالى مبيناً له بعد التنبيه على ما يحتمله من الحالات :( أفي قلوبهم مرض ) أي نوع فساد من أصل الفطرة يحملهم على الضلال ) أم ارتابوا ( بأن حدثت لهم شبهة أعمتهم عن الطريق ) أم ( ليس فيهم خلل لا أصلي ولا طارىء، بل الخلل في الحاكم فهم ) يخافون أن يخيف ( اي يجور ) الله ( الغني عن كل شيء، لأن له كل شيء ) عليهم ( بنصب حكم جائر وهو منزه عن الإغراض ) ورسوله ( الذي لا ينطق عن الهوى، بضرب أمر زائغ وقد ثبتت عصمته عن الأدناس.
ولما لم يكن شيء ن ذلك كائناً أضرب عنه فقال :( بل أولئك ) أي البعداء البغضاء ) هم ) أي خاصة ) الظالمون ) أي الكاملون في الظلم، لأن قلوبهم مطبوعة على المرض والريب، لا أن فيها نوعاً واحداً منه، وليسوا يخافون الجور، بل هو مرادهم إذا كان ا لحق عليهم.
ولما نفى عنهم الإيمان الكامل بما وصفهم به، كان كأنه سئل عن حال المؤمنين فقال :( إنما كان ) أي دائماً ) قول المؤمنين ( اي العريقين في ذلك الوصف، وأطبق العشرة على نصب القول ليكون اسم أوغل الاسمين في التعريف، وهو ( أن ) وصلتها لأنه لا سبيل عليه للتنكير، ولشبهة كما قال ابن جني في المحتسب بالمضمر من حيث إنه لا يجوز وصفه كما لا يجوز وصف المضمر، وقرأ على رضي الله عنه بخلاف وابن أبي إسحاق ) قول ( بارفع ) إذا دعوا ) أي من أي داع كان ) إلى الله ) أي ما أنزل الملك الذي لا كفوء له من أحكامه ) ورسوله ليحكم ) أي الله بمما نصب من أحكامه أو الرسول ( ﷺ ) بما يخاطبهم به من كلامه ) بينهم ) أي بالإجابة لله ورسوله ( ﷺ ).
ولما كان التقدير : فأولئك هم المؤمنون، عطف عليه قوله :( وألئك ) أي العالو الرتبة ) هم ( خاصة ) المفلحون ( الذين تقدم في أول المؤمنون وصفهم بأنهم يدركون جميع مأمولهم.
النور :( ٥٢ - ٥٣ ) ومن يطع الله.....
) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُون وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( ( )
ولما رتب سبحانه الفلاح على هذا النوع الخاص من الطاعة، أتبعه عموم الطاعة فقال :( ومن يطع الله ) أي الذي له الأمر كله ) ورسوله ) أي في الإذعان للقضاء وغيره فيما ساءه وسره من جميع الأعمال الظاهرة ) ويخش الله ) أي الذي له الجلال والإكرام، بقلبه لما مضى من ذنوبه ليحمله ذلك على كل خير، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا وقع أحد منهم في تقصير يأتي إلى النبي ( ﷺ ) فيقول : طهرني، ويلقن أحدهم الرجوع فلا يرجع، وفي تطهيره الإتيان علىنفسه، وقع ذلك لرجالهم ونسائهم - رضي الله عنهم أجمعين وأحياناً على منهاجهم وحشرنا في زمرتهم ) ويتقه ) أي الله فيما يستقبل بأن يجعل بينه وبين ما يسخطه وقاية من المباحات فيتركها ورعاً.
ولما أفرد الضمائر إشار إلى قلة المطيع، جمع لئلا يظن أنه واحد فقال :( فأولئك ( العالو الرتبة ) هم الفائزون ( بالملك الأبدي ولا فوز لغيرهم.