صفحة رقم ٢٨٨
وكان أمر الرسول ( ﷺ ) أجلّ موطن تجب الإقامة فيه ويهجر ما عداه من الأوطان، فتصير الأرض برحبها ضيقة لأجله، محظراً سلوكها مِن جرّاه، بمنزلة بيت الغير الذي لا يحل دخوله بغير إذن، قال معرفاً بذلك على طريق الحصر مقابلاً لسلب
٧٧ ( ) وما أولئك بالمؤمنين ( ) ٧
[ المائدة : ٤٣ ] مبيناً عظيم الجناية في الذهاب عن مجلس النبي ( ﷺ ) المقتضي للجمع من غير إذن :( إنما المؤمنون ) أي الكاملون الذين لهم الفلاح ) الذين آمنوا بالله ) أي الملك الأعلى ) ورسوله ( ظاهراً وباطناً.
ولما كان الكلام في الراسخين، كان الموضع لأداة التحقيق فقال :( وإذا ) أي وصدقوا إيمانهم بأنهم إذا ) كانوا معه ) أي الرسول صلى الله عليه السلام ) على أمر جامع ( اي لهم على الله، كالجهاد لأعداء الله، والتشاور في مهم، وصلاة الجمعة، ونحو ذلك ) لم يذهبوا ( عن ذلك المر خطوة إلى موضع من الأرض ول أنه يوتهم، لشيء من الأشياء ولو أنه أهم مهماتهم، لأنه أخذ عليهم الميثاق بالطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ) حتى يستأذنوه ( فيأذن لهم، لأن المأمور به قد صار منزلهم ومأواهم ومتبوأهم، وصار كل ما سواه من الأماكن والأمور له عليه الصلاة والسلام دونهم، لا حظ لهم فيه، فلا يحل لهم أن يدخلوه حساً أو معنى إلا بإذنه، وهذا من عظيم النتبيه على عليّ أمره، وشريف قدره، وذلك عند الانصارف عنه ( ﷺ )، وجعل رتبة ذلك تالية لرتبة الإيمان بالله والرسول، وجعلهما كالتسبيب له مع تصدير الجملة بأداة الحصر، وإيقاع المؤمنين في مبتدأ مخبراً عنه بموصول أحاطت وصلته بالرتب الثلاث شرحاً له.
ولما نفى عن المؤمنين الذهاب إلى غاية الاستئذان، فأفهم أن المستأذن مؤمن، صرح بهذا المفهوم ليكون آكد، فقال تشديداً في الإخلال بالأداب بين يديه ( ﷺ )، وتأكيداً لحفظ حرمته والأدب معه لئلا يتشوش فكره في أسلوب آخر، وبياناً لأن الاستئذان مصداق الإيمان :( إن الذين يستأذنوك ( اي يطلبون إذنك لهم إذا أرادوا الانصراف، في شيء من أمورهم التي يحتمل أن تمنع منها ) أولئك ( العالو الرتبة خاصة ) الذين يؤمنون ) أي يوجدون الإيمان في كل وقت ) بالله ( الذي له الأمر كله فلا كفوء له ) ورسوله ( وذلك ناظم لأشتات خصال الإيمان.
ولما قصرهم على الستئذانن تسبب عن ذلك إعلامه ( ﷺ ) بما يفعل غذ ذاك فقال :( فإن استأذنوك ) أي هؤلاء الذين صحت دعواهم ؛ وشدد عليهم تأكيداً لتعظيم الأدب معه ( ﷺ ) بقوله :( لبعض شأنهم ( وهو ما تشتد الحاجة إليه ) فأذن لمن شئت منهم ( قيل : كان رسول الله ( ﷺ ) إذا صعد المنبر يوم الجمعة فمن اراد أن يخرج لعذر قام بحياله