صفحة رقم ٢٨٩
فيعرف أنه يستأذن فيأذن لمن شاء، قال مجاهد : وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده، وقيل : كذلك ينبغي أن يكون الناي مع أمتهم ومقدميهم في الدين والعلم لا يخذلونهم في نازلة من النوازل.
ولما أثبت له بهذا التفويض منالشرف ما لا يبلغ وصفه، أفهمهم أن حال المستأذن قاصرة عن حال المفوض الملازم كيفما كانت، فقال :( واستغفر لهم الله ( اي الذي له الغنى المطلق، فلا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية، أو يكون الكالم شاملاً لمن صحت دعواه وغيره ؛ ثم علل ذلك ترغيباً في الاستغفار، وتطيباً لقلوب أهل الأوزار، بقوله :( إن الله ( اي الذي له صفات الكمال ) غفور ( اي له هذا الوصف فهو جدير بأن يغفر لهم ما قصروا فيه ) رحيم ) أي فكل ما أمرهم به فهو خير لهم وإن تراءى لهم خلافه.
ولما أظهرت هذه السورة بعمومها، وهذه الآيات بخصوصها، من شرف الرسول ما بهر العقول، لأجل ما وقع للمنافق من التجرؤ على ذلك الجناب الأشم، والمنصب الأتم، وعلم منه أن له ( ﷺ ) في كل أمره وجميع شأنه خصوصية ليست لغيره، صرح بذلك تفخيماً للشأن، وتعظيماً للمقام، ليتأدب من ناضل عن المنافق، أو توانى في أمره فقصر عن مدى أهل السوابق، فقال منبهاً على أن المصائب سبب لإظهار المناقب أو إشهار المعايب ) لا تجعلوا ) أي ايها الذين آمنوا ) دعاء الرسول ) أي لكم الذي يوقعه ) بينكم ( ولو على سبيل العموم، في وجوب الامتثال ) كدعاء بعضكم بعضاً ( فإن أمره عظيم، ومخالفته استحلالاً كفر، ولا تجعلوا أيضاً دعاءكم إياه كدعاء بعضكم لبعض بمجرد الاسم، بل تأدبوا معه بالتفخيم والتبجيل والتعظيم كما سن الله بنحو : يا ايها النبي، ويا أيها الرسول، مع إظهار الأدب في هيئة القول الفعل بخفض الصوت والتواضع.
ولما كان بعضهم يظهر المؤالفة، ويبطن المخالفة، حذر من ذلك بشمول علمه وتمام قدرته، فقال معللاً مؤكداً محققاً معلماً بتجديد تعليق العلم الشهودي كلما جدد أحد خيانة لدوام اتصافه بإحاطة العلم من غير نظر إلى زمان :( قد يعلم الله ) أي الحائز لجميع صفات المجد إن ظننتم أن ما تفعلونه من التستر يخفي أمركم على رسوله صلى الله عليه السلام، فهو سبحانه يعلم ) الذين يتسللون ( وعين أهل التوبيخ بقوله :( منكم ) أي يتكلفون سلَّ أنفسهم ليجعلوا ذهابهم في غاية الخفاء ) لوذاً ) أي تسللاً مستخفين به بتستر بعضهم فيه ببعض ؛ يقال : لاذ بالشيء لوذاً واواذاً وملاوذة : استتر وتحصن، فهو مصدر لتسلل من غير لفظه، ولعله أدخل ( قد ) على المضارع ليزيد أهل التحقيق تحقيقاً، ويفتح