صفحة رقم ٢٩٢
متراسلة أصدع للقلوب وأردع، وكان إيضاح المشكلات، في الفرق بين الملتبسات، أعون بما يكون علة، عبر بما يدل على الفرق وقدمه فقال :( نزل الفرقان ( اي الكتاب الذي نزل إلى سماء الدنيا فكان كتاباً، ثم نزل مفرقاً بحسب المصالح، فسمي لذلك فرقاناً، ولأنه الفارق بين ملتبس، فلا يدع خفاء إلا بينه، ولاحقاً إلا أثبته، ولا باطلاً إلا نفاه ومحقه، فيه انتظام الحياة الأولى والأخرى، فكان قاطعاً على علم منزله، ومن علمه الباهر إنزاله ) على عبده ) أي الذي لا أحق منه بإضافته إلى ضميره الشريف، لأنه خالص له، لا شائبة لغيره فيه أصلاً، ولم يحز مخلوق ما جاز من طهارة الشيم، وارتفاع الهمم، ولا شك أن الرسول دال على مرسله في مقدار علمه، وكثرة جنده، واتساع ملكه
٧٧ ( ) الله أعلم حيث يجعل رسالاته ( ) ٧
[ الأنعام : ١٢٤ ] ثم علل إنزاله عليه بقوله :( ليكون ( اي العبد أو الفرقان.
ولما كان العالم ما سوى الله، وكان ادعى مدع أم المراد البعضن لأنه قد يطلق اللفظ على جزء معناه بدلالة التضمن، وكان الجمع لا بد أن يفيد ما أفاده المفرد بزيادة، جمع ليعرف أن المراد المدلول المطابقي، مع التصريح باستغراق جميع الأنواع الداخلة تحت مفهوم المفرد، واختار جمع العقلاء تغليباً، إعلاماً بأنهم المقصودون بالذات فقال :( للعالمين ( اي المكلفين كلهم من الجن والإنس والملائكة.
ولما كان كل من الكتاب والمنزل عليه بالغاً في معناه، عبر بما يصح أن يراد به المنذر والإنذار على وجه المبالغة فقال :( نذيراً ) أي وبيراً، وإنما اقتصر على النذارة للإشارة إلى البشارة بلفظ ) تبارك ( ولأن المقام لها، لما ختم به تلك من إعراض المتولين عن الأحكام، ونفى الإيمان عنهم بانتفاء الإسلام، وفيه إشارة إلى كثرة المستحقين للنذارة، ولا التفات إلى من قال : إن الرازي والبرهان النسفي نقلاً الإجماع على أنه ( ﷺ ) لم يرسل الملائكة، فإن عبارة الرازي في بعض نسخ تفسيره : لكنا أجمعنا على أنه لم يرسل إلى الملائكة، وفي أكثر النسخ : بينا - بدل : أجمعنا، على أنه لو اتفقت جميع النسخ عليها لم تضر، لأنها غير صريحة في إرادة الإجماع، ولأن الإجماع لا يثبت بنقل واحد لا سيما في مثل هذا الذي تظافرت الظواهر على خلافه، ولم يرد مانع منه، وأما البرهان النسفي فمن الرازي أخذ، وعبر بعبارته، فصارا واحداً، وقد بينت ذلك عند قوله تعالى في سورة الأنعام ) لأنذركم به ومن بلغ ) [ الأنعام : ١٩ ] بيناً شافياً لا ارتياب معه، بل ولو قيل : إن الآية على ظاهرها، لا خصوص فيها بالعقلاء، وتكليف كل شيء بحسبه، لكان وجهاً، وبذلك صرح الإمام تاج الدين السبكي في أول الترشيح في قوله :( وأصلي على نبيه نحمد المصطفى المبعوث إلى كل


الصفحة التالية
Icon