صفحة رقم ٢٩٨
وصف الرسالة ينافيه :( مال هذا ( والإشارة على هذا الوجه تفهم الاستهانة والتصغير ؛ ثم أظهروا السخرية بقولهم :( الرسول ) أي الذي يزعم أنه انفرد عن بقية البشر في هذا الزمان بهذا الوصف العالي ) يأكل الطعام ) أي مثل ما نأكل ) ويمشي في الأسواق ) أي التي هي مطالب الدنيا، كما نمشي.
ولما كانت ترجمة ما مضى : ما له مثلنا وهو يدعي الاختصاص عنا بالرسالة ؟ أتبعوه التعنيف على عدم كونه على واحد من وجوه مغايرة على سبيل التنزل جواباً لمن كأنه قال : فماذا يفعل ؟ بقولهم :( لولا ) أي هلا، وهي تأتي للتوبيخ، وهو مرادهم ) أنزل ) أي من السماء، من أيّ منزل كان، منتهياً ) إليه ) أي على الهيئة التي هو عليها في السماء ) ملك ) أي من الملائكة الله على هيئاتهم المباينة لهيئات الآدميين ) فيكون ( بالنصب جواباً للتحضيض ذلك الملك وإن كان هو إنساناً ) معه نذيراً ( فيكون ممتازاً بحال ليس لواحد منا، ليكون أهيب في النذارة، لما له من الهيبة والقوة، وكأنهم عبروا بالماضي إعلاماً بأن مرادهم كونه ي الظهور لهم على غير الهيئة التي يخبركم بها من تجدد نزول الملك عليه في كل حين مستسراً بحيث لا ينظره غيره، أو لأن الملك يمكن أن يكون على حالة المصاحبة له للنذارة، وإنما لا يتحول عنها بصعود إلى السماء ولا غيره، بخلاف الكنز فإنه للنفقة، فإن لم يتعهد كل وقت نفد، زهذا سر التعبير ب ( إلى ) دون ( على ) التي هي للتغشي بالوحي، ولذلك عبروا بالمضارع في قولهم، متنزلين عن علو تلك الدرجة :( أو يلقى ) أي من أي ملق كان.
ولما كان الإلقاء دالاً على العلو، عدلوا عن أداة الاستعلاء التي تقدم التعبير بها في هود عليه السلام من الإنزال إلى حرف النهاية فقالوا :( إليه ) أي إن لم تكن له تلك الحالة ) كنز ) أي يوجد له هذا الأمر ويتجدد له إلقاؤه غير مكترث ولا معبوء به، برفعه عن مماثلتنا العامة من كل وجه، وأيضاً التعبير في هذا الذي بعده بالمضارع أدل على تكالبهم على الدنيا وأنها أكبر همهم.
ثم تنزلوا أيضاً في قولهم :( أو تكون له ) أي أن لم تكن له شيء مما مضى ) جنة ) أي بستان أو حديقة كما لبعض أكابرنا ) يأكل منها ( فتفرغه عما يتعاطاه في بعض الأحايين من طلب المعاش، ويكون غناه أعز له وأجلب للخواطر إليه، وأحث لعكوف الأتباع عليه، وأجع فيما يريده - هذا على قراءة الجماعة بالياء التحتية، وعلى قراءة حمزة والكسائي بالنون يكون المعنى : أنا إذا أمكنا منها، كان ذلك أجلب لنا إلى اتباعه، وما قالوه كله فاسد إذ لم يدّع هو ( ﷺ ) ولا أحد من أتباعه أنه هو ولا أحد من الأنبياء قبله يباين البشر، ولا أن وصفاً من أوصاف البشر الذاتية ينافي النبوة والرساله، وأما الاستكثار من الدنيا فهو عائق في الأغلب عن السفر إلى دار


الصفحة التالية
Icon