صفحة رقم ٢٩٩
الكرامة، ومطن السلامة، وحامل على التجبر، ولا يفرح به إلا أدنياء الهمم، وخفة ذات اليد لا تقدح إلا في ناقص يسأل الناس تصريحاً أو تلويحاً إرادة لتكميل نقصه بالحطام الفاني، وقد شرف الله نبيه ( ﷺ ) عن ذلك بما له من صفات الكمال، والأخلاق العوال.
ولما كانوا بهذا واضعين الكلام في غير مواضعه، بعيدين عن وجه الصواب، قال معجباً من أمرهم :( وقال الظالمون ( فأظهر الوصف الموجب لهم ذلك :( إن ) أي ما ) تتبعون ( إن اتبعتم ) إلا رجلاً مسحوراً ) أي يتكلم بما لا يجديه، فحاله لذلك حال من غلب على عقله بالسحر، أو ساحراً صار السحر له طبعاً، فهو يفرق بما جاء به بين المرء وزوجه وولده ونحو ذلك، وعبروا بصيغة المفعول إشارة إلى هذا، وهو أنه لكثرة ما يقع منه من ذلك - صار كأنه ينشأ عنه على غير اختياره.
الفرقان :( ٩ - ١٤ ) انظر كيف ضربوا.....
) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً لاَّ تَدْعُواْ الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً ( ( )
ولما أتم سبحانه ما ذكر من أقوالعهم الناشئة عن ضلالهم، التفت سبحانه إلى رسول ( ﷺ ) مسلياً له فقال :( انظر ( ثم أشار إلى التعجب منهم بأن ما قالوه يستحق الاستفهام بقوله :( كيف ضربوا ( وقدم ما به العناية فقال :( لك الأمثال ( فجعلوك تارة مثلهم في الاحتياج إلى الغذاء، وتارة نظيرهم في التوسل إلى التوصل إلىالأرباح والفوائد، بلطيف الحيلة وغريز العقل، وتارة مغلوب العقل مختلط المزاج تأتي بما لا يرضى به عاقل، وتارة ساحراً تأتي بما يعجز عنه قواهم، وتحير فيه أفكارهم ) فضلوا ) أي عن جميع طرق العدل، وسائر أنحاء البيان بسبب ذلك فلم يجدوا قولاً يستقرون عليه وأبعدوا جداً ) فلا يستطيعون ( في الحال ولا في المآلن بسبب هذا الضلال ) سبيلاً ) أي سلوك سبيل من السبل الموصلة غلى ما يستحق أن يقصد، بل هم في مجاهل موحشة، وفيافي مهلكة.
ولما ثبت أنه لا وجود لهم لأنهم لا علم لهم ولا قدرة، وأنهم لا يمن لهم ولا بركة، لا على أنفسهم ولا غيرهم، أثيت لنفسه سبحانه ما يستحق من المال الذي يفيض به على من يشاء من عباده ما يشاء فقال :( تبارك ) أي ثبت ثباتاً مقترناً باليمن