صفحة رقم ٣٠٠
والبركة، لا ثبات إلا هو ) الذي إن شاء ( فإنه لا مكره له ) جعل لك خيراً من ذلك ) أي الذي قالوه على سبيل التهكم ؛ ثم أبدل منه قوله :( جنات ( فضلاً عن جنة واحدة ) تجري من تحتها الأنهار ) أي تكون أرضها هيوناً نابعة، أي موضع أريد منه إجراء نهر جرى، فهي لا تزال رياً تغني صاحبها عن كل حاجة ولا تحوجه في استثمارها إلى سقي.
ولما كان القصر - وهو بيت المشيد - ليس مما يستمر فيه الجعل كالجنة التي هذه صفتها، عبر فيه بالمضارع إيذاناً بالتجديد كلما حصل خلل يقدح في مسمى القصر فقال :( ويجعل لك قصوراً ( اي بيوتاً مشيدة تسكنها بما يليق بها من الحشم والخدم، قال البغوي : والعرب تسمي كل بيت مشيد قصراً.
وهذه العبارة الصالحة لأن يجعل له سبحانه ذلك في الدنيا مما فتت في أعضادهم، وخافوا غائلتها فسهلت من قيادهم، لعلهم بأن مراسله قادر على ما يريد، بلكنه سبحانه أغناه عن ذلك يتأييده بالأعوان، من الملائكة والإنس والجان، حتى اضمحل أمرهم، وعيل صبرهم، ولم يشأ سبحانه ما أشار إليه في هذه الآية الشريفة في هذه الدنيا الفانية، وأخره إلى الآخرة الباقية، وقد عرض سبحانه عليه ما شاء من ذلك في الدنيا فأباه، روى البغوي من طريق ابن المبارك، والترميذي - وقالك حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي ( ﷺ ) قال :( عرض عليّ ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهباً، فقلت : لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً، فإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك ) وروي عن طريق أبي الشيخ عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ( ﷺ ) :( لو شئت لسارت معي الجبال الذهب جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة ) فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إن شئت نبياً عبداً وإن شئت نبياً ملكاً، ( فنظرت إلى جبريل عليه الصلاة والسلام فأشار إلى أن ضع نفسك، فقلت : نبياًعبداً ) قال : فكان رسول الله ( ﷺ ) بعد ذلك لا يأكل متكئاً ويقول :( آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد ) وسيأتي في سورة سبأ عند
٧٧ ( ) وأرسلنا له عين القطر ( ) ٧
[ سبأ : ١٢ ] ما يتم هذا، ولا يبعد عندي أن يكون أشير بالآية الشريفة - وإن كانت في أسلوب الشرط غلى ما فتح عليه ( ﷺ ) من الحدائق التي لم يكن مثلها في بلاد العرب لما فتح الله عليه خبير ووادي القرى، وتصرف في ذلك بنفسه الشريفة وأكل منه وإلى ما فتح على أصحابه من


الصفحة التالية
Icon