صفحة رقم ٣٠٢
وغلبوا على سائر مملكة الفرس واليمن وأكثر الروم، وانتثلوا من كنوز كسرى وقيصر ما يفوت الحصر، وقد كان ( ﷺ ) تصرف في ذلك من ذلك الوقت تصرف الملوك، لأن وعد الله لا خلف فيه، بل غائبه أعظم من حاضره غيره، وموعودة أوثق من ناجز سواه، فأعطى ( ﷺ ) تميم بن أوس الداري بلد الخليل عليه الصلاة والسلام من أرض الشام من مملكة الروم، وأعطى خريم بن أوس - الذي يقال له : شويل - كرامة بنت عبد المسيح ابن بقيلة من سبي الحيرة من بلاد العراق من مملكة فارس، وكل منهم قبض ما أعطاه عند الفتح كما يعرفه من طالع كتب الفتوح علىأيام الخلفاء الراشدين رضي الله عنه وفتحه أجمعين، فعندي أن هذا مما أشارت إليه الاية الشريفة، نزه الله تعالى نبيه ( ﷺ ) عنه وفتحه على أصحابه، تشريفاً لهم بإزالة أهل الشرك عنه، وإنعاماً عليهم به تصديقاً لوعده، وإكراماً لنبيه ( ﷺ ) بنصر أوليائه وتكثير أمته، وحضر ذلك كثير ممن كان من القائلين
٧٧ ( ) ما لهذا الرسول ( ) ٧
[ الفرقان : ٧ ] إلى آخره، وقد كان قادراً على أن يقويه بجميع ما ينصر به موته، ولكنه لم يفعل لأن ذلك أوضح في الأمر، ولا أموال وافرة، ولا ملوك معينة قاهرة، بل أهل الدنيا من غير جنود كثيرة ظاهرة، ولا أموال وافرة، ولا ملوك معينة قاهرة، بل كانت الملوك عليه، ثم صاروا كلهم أهون شيء عليه، بيد أصحابه من بعد وأحبابه.
ولما ثبت بما أثبت انفسه الشريفة من الكمال أنه لا مانع من إيجاد ما ساقوه مساق التوبيخ إلا عدم المشيئة، لا عجز من الجاعل ولا هوان بالمجعول له، تسلية له ( ﷺ ) في أسلوب مشير بأنه يعطيه ذلك، سلاه أيضاً بأن ما نسبوه إليه لا يعتقدون حقيقتهن فأضرب عن كلامهم قائلاً :( بل ( اي لا تظن أنهم كذبوا بما جئت به لأنهم يعتقدون فيك كذباً وافتراء للقرآن، أو نقصاناً لأكلك الطعام ومشيك في الأسواق، أو في شيء من أحوالك، أو لا تظن أنهم يكذبون بقدرته تعالى على ما ذكر أنه إن شاء جعله لك بل، أو المعنى : دع التفكر فيما قالوه من هذا فإنهم لم يقتصروا في التكذيب عليه بل ) كذبوا بالساعة ) أي بقدرتنا عليها، واستقر ذلك في أنفسهم دهوراً طويلة، وخذوه خلفاً عن سلف، وأشرب قلوبهم حب هذا الحطام الفاني، وتقيدت أوهامهم بهذه الظواهر كالبهائم، فعسر انفكاكهم عن ذلك بما جاءهم من البيان الذي لا يشكون فيه، فاجترؤوا لذلك على العناد لعدم الخوف من أهوال يوم القيامة كما قال تعالى عن أهل الكتاب
٧٧ ( ) وغرهم في دينهم م اكانوا يفترون ( ) ٧
[ آل عمران : ٢٤ ] ) وأعتدنا ) أي والحال أنا أعتدنا أي هيأنا بما لنا من العظمة ) لمن كذب ( من هؤلاء وغيرهم ) بالسعة سعيراً ) أي ناراً شديدة الاتقاد بما أعظموا الحريق في قلوب من كذبوهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم رضي الله عنهم ) إذا رأتهم ) أي إذا كانت بحيث يمكن أن يروها


الصفحة التالية
Icon