صفحة رقم ٣٠٣
وتراهم لو كانت مبصرة ) من مكان بعيد ( وهو أقص ما يمكن رؤيتها منه وهم يساقون إليها ) سمعوا لها ( اي خاصة ) تغيظاً ) أي صوتاً في غليانها وفورانها كصوت المتغيظ في تحرقه ونكارته إذا غلا صدره من الغضب ) وزفيراً ) أي صوتاً يدل على تناهي الغضب، وأصله صوت يسمع من الجوف.
ولما وصف ملاقاتها لهم، وصف إلقاءهم فيها قال :( وإذا ألقوا ) أي طرحوا طرح إهانة فجعلوا بأيسر أمر ملاقين ) منها ) أي النار ) مكاناً ( ووصفه بقوله :( ضيقاً ( زيادة في فظاعتها ) مقرنين ( بأيسر أمر، أيديهم إلى أعناقهم في السلاسل، أو جبال المسد، أو مع من أغواهم من الشياطين، والتقرين : جمع شيء إلى شيء في قرن وهو الحبل ) دعوا هنالك ) أي في ذلك الموضع البغيض البعيد عن الرفق ) ثبوراً ( اي هلاكاً عظيماً فيقولون : يا ثبوراه لأنه لا مندام لهم غيره، وليس بحضرة أحد منهم سواه ؛ قال ابن جريرك وأصل الثبر في كلام العرب الانصراف عن الشيء.
فالمعنى حينئذ : دعوا انصرافهم عن الجنة إلى النار الذي تسببوا فيه بانصرافهم عن الإيمان إلى الكفر، فلم يكن لهم سمير إلا استحضارهم لذلك تأسفاً وتندماً، فأجيبوا على طريق الاستئناف بقوله تعالى :( لا تدعوا اليوم ( أيها الكفار ) ثبوراً واحداً ( لأنكم لا تموتون إذا حلت بكم أسباب الهلاك ) وادعوا ثبواً كثيراً ( لا يحصره الإحصاء ولا آخر له، فإنكم وقعتم يما يوجب ذلك لأن أنواع الهلاك لا تبارحكم أصلاً ولكنه لا موت.
الفرقان :( ١٥ - ١٨ ) قل أذلك خير.....
) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وَعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّى نَسُواْ الذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً ( ( )
ولما كانت عادتهم تجويز الممكن من كل ما يحذرون منه من الخلق، اقتضى الحال سؤالهم : هل أعدوا لما هددوا بع من الخالق عدة أم لا ؟ في سياق الاستفهام عن المفاضلة بينه وبين ما وعده المتقون، تنبيهاً على أنه أعلى رتبة من الممكن فإنه واقع لا محالة، وتهكماً بهم، فقال تعالى :( قل أذلك ) أي الأمر العظيم الهول الذي أوعدتموه من السعير الموصوفة.
ولما كانت عادة العرب في بيان فضل الشيء دون غيره الإتيان بصيغة أفعل تنبيهاً على أن سلب الخير عن مقابله لا يخفى على أحد، أو يكون ذلك على طريق التنزل


الصفحة التالية
Icon