صفحة رقم ٣١٢
الكلام عاماً لأحوال الدنيا والآخرة، وهو قاطعون بأ، هم في الدنيا أحسن حالاً من المؤمنين، لما هم فيه من السعة في المال والكثرة والقوة، وبلفظ الحسن إشارة إلى ما يتزين به مقيلهم من حسن الوجوه وملاحه الصور ونحوه.
ولما كان للكفرة في هذه الدار من العز والقوة والضخامة ما يتعجبون معه من مصير حالهم وحال أخصامهم إلى ما ذكر، بين أن الأمر في ذلك اليوم على غير ما نعهده، فقال عاطفاً على ) يوم يرون ( :( ويوم تشقق ) أي تشققاً عظيماً وإن كان فيه خفاء على البعض - بما أشار إليه حذف تائه ) السماء بالغمام ) أي كما تشقق الأرض بالنبات فيخرج من خلال شقوقها، وأشار إلى جهل من طلبوا نزولهم دفعة واحدة بقوله :( ونزل ) أي بالتدريج بأمر حتم لا يمكنهم التخلف عنه، بأمر من لا أمر لغيره ) الملائكة ( الذين طلبوا أن يروهم في حال واحد ) تنزيلاً ( في أيديهم صحائف الأعمال ؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما : تشقق السماء في الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر من أهل ممن في الدنيا من الجن والإنس، ثم تشقق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الدنيا وأهل الأرض جناً وإنساً ثم كذلك حتى تشقق السماء السابعة، وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها، ثم الكربيون ثم حملة العرش.
ولما كان ذلك اليوم سبباً لانكشاف الأمور ومعرفة أنه لا ملك لسواه سبحانه لأنه لا يقضي فيه غيره قال :( الملك يومئذ ) أي يوم إذ تشقق السماء بالغمام ؛ ثم وصف الملك بقوله :( الحق ) أي الثابت معناه ثابتاً لا يمكن زواله ؛ ثم أخبر عنه بقوله :( للرحمن ) أي العام الرحمة في الدارين، ومن عمم رحمته وحقية ملكه أن يسر قلوب أهل ورده بتعذيب أهل عداوته الذين عادوهم فيه لتضييعهم الحق باتباع الباطل، ولولا اتصافه بالرحمة لم يدخل أحد الجنة، ومعنى التركيب أن ملك غيره في ذلك اليوم إنما هو بالاسم الذي تقدم له في تسميته به فقط، لا حكم له أصلاً ولا ظاهراً كما كان في الدنيا ) وكان ) أي ذلك ايوم الذي تظهر فيه الملائكة الذين طلب الكفار رؤيتهم ) يوماً على الكافرين ) أي فقط ) عسيراً ( شديد العسر والاستعار.
ولما كان حاصل حالهم أنهم جانبوا أشرف الخلق الهادي لهم إلى كل خير، وصاحبوا غيره ممن يقودهم إلى كل شر، بين عسر ذلك اليوم الذي إنما أوجب جرأتهم تكذيبهم به بتناهي ندمهم على فعلهم هذا فقال :( ويوم يعض الظالم ) أي لفرط تأسفه لما يرى فيه من الأهوال ) على يديه ) أي كلتيهما فيكاد يقطعهما لشدة حسرته وهو لا يشعر، حال كونه مع هذا الفعل ) يقول ) أي يجدد في كل لحظة قوله :( يا ليتني اتخذت ) أي أرغمت نفسي وكلفتها أن آخذ في الدنيا ) مع الرسول سبيلاً ) أي عملاً


الصفحة التالية
Icon