صفحة رقم ٣١٥
الإضمار تنبيهاً على الوصف الذي حملهم على هذا القول :( وقال الذين كفروا ) أي غطوا عدواة وحسداً ما تشهد عقولهم بصحته من أ، القرآن كلام لإعجازه لهم متفرقاً، فضلاً عن كونه مجتمعاً، وغطوا ما وضح لهم من آثاره الظاهرة الشاهد بوحدانيته، وغير ذلك من صفاته العلية :( لو لا ) أي هلا.
ولما كانوا لشدة ضعفهم لا يكادون يسمحون بتسمية القرآن تنزيلاً فضلاً عن أن يسندوا إنزاله إلى الله سبحانه وتعالى، بنوا للمفعول في هذه الشبهة التي أوردها قولهم :( نُزِّل عليه ( ولما عبروا بصيغة التفعيل المشيرة إلى التدريج والتفريق استجلاباً للسامع لئلا يعرض عنهم، أشاروا غلى أن ذلك غير مراد فقالوا :( القرآن ) أي المقتضي اسمه للجمع ؛ ثم صرحوا بالمراد بقولهم :( جملة ( وأكدوا بقولهم :( واحدة ) أي من أوله إلى آخره بمرة، ليتحقق أنه من عند الله، ويزول عنا ما نتوهمه من أنه هو الذي يرتبه قليلاً قليلاً، فتعبيرهم بما يدل على التفريق أبلغ في مرادهم، فإنهم أرغبوا السامع في الإقبال على كلامهم بتوطينه على ما يقارب مراده، ثم أزالوا بالتدريج أتم إزالة، فكان فس ذلك من المفاجأة بالروعن والإقناط مما أمّل من المقاربة ما لم يكن في ( أنزل ) والله أعلم.
ولما كان التقديرك وما له ينزل عليه مفرقاً، وكان للتفريق فوائد جليلة، أشار سبحانه إلى عظمتها بقوله معبراً للإشارة إلى ما اشتملت عليه من العظمة بأداة البعد :( كذلك ) أي أنزلناه شيئاً فشيئاً على هذا الوجه العظيم الذي أنكروه ) لنثبت بهه فؤادك ( بالإغاثة بتردد الرسل بيننا وبينك، وبتكمينك وتمكين أتباعك من تفهم المعاني، وتخفيفاً للأحكام، في تحميلها أهل الإسلام، بالتدريج على حسب المصالح، واتنافي الحكمة في الناسخ والمنسوخ، لما رتب من المصالح، وتسهياً للحفظ لا سيما والأمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، وتلقيناً للأجوبه في أوقاتهان وتعظيماً للإعجاز، لأن ما تحدى بنجم منه فعجز عنه علم أن العجز عن أكثر منه أولى، فالحاصل أن التفريق أدخل في باب الإعجاز وفي كل حكمة، فعلم أن هذا الاعتراض فضول ومماراة بما لا طائل تحته من ضيق الفطن، وقلة الحلية، وحرج الخطيرة، دأب المقطوع المبهوت، لأن المدار الإعجاز، وأما كونه جملة أو مفرقاً فأمر لا فائدة لهم فيه، وليست الإشارة محتملة لأن تكون للكتب الماضية، لأن نزولها إنما كان منجماً كما بينته في سورة النساء عن نص التوراة المشير إليه نص كتابنا، لا كما يتهمه كثير من الناس، ولا أصل له إلا كذبة من بعض البهود شبهوا بها على أهل الإسلام فمشت على أكثرهم وشرعوا يتكلفون لها أجوبة، واليهود الآن معترفون بأن التوراة نزلت في نحو عشرين سنة والله الموفق.


الصفحة التالية
Icon