صفحة رقم ٣٣١
بهداية ربه كان لي مثل أجره، لا نفع لي من جهتكم إلا هذا، فإن سيتم هذا أجراً فهو مطلوبي، ولا مرية في أنه لا ينقص أحداً شيئاً من دنياه، فلا ضرر على أحد في طي الدنيا عني، فأفاد هذا فائدتين : إحداهما أنه لا طمع له أصلاً في شيء ينقصهم، والثانية إظهار الشفقة البالغة بأنه يعتد بمنفعتهم الموصلة لهم إلى ربهم ثواباً لنفسه.
ولما كان المقصود ردهم عن عنادهم، وكان ذلك في غاية الصعوبة، وكان هذا الكلام لا يرد متعنتيهم - وهم الأغلب - الذين تخشى غائلتهم، عطف على ( قل ) قوله :( وتوكل ) أي أظهر العجز والضعف واستسلم واعتمد في أمرك كله، ولا سيما في مواجهتهم بالإنذار، وفي ردهم عن عنادهم.
ولما كان الوكيل يحمل عن الموكل ثقل ما أظهر له عجزه فيه ويقوم بأعبائه حتى يصير كمن يحمل عن آخر عيناً محسوسة لا يصير له عليه شيء منها أصلاً، عبر بحرف الاستعلاء تمثيلاً لذلك فقال :( على الحي ( ولا يصح التوكل عليه إلا بلزوم طاعته والإعراض عما سواها.
ولما كان الأحياء من الخلق يموتون، بين أن حياته ليست كحياة غيره فقال :( الذي لا يموت ( اي فلا ضياع لمن توكل عليه أصلاً، بل هو المتولي لمصالحه في حياته وبعد مماته، ولا تلتفت إلى ما سواه بوجه فإنه هالك ) وسبح بحمده ) أي نزهه عن كل نقص مثبتاً له كل كمال.
ولما كان المسلى ربما وقع في فكره أن من سلاه إما غير قادر على نصره، أو غير عالم بذنوب خصمه، وكان السياق للشكاية من إعراض المبلغين عن القرآن، وما يتبع ذلك من الأذى، أشار بالعطف على غير مذكور إلى أن التقدير : فكفى به لك نصيراً، وعطف عليه :( وكفى ( وعين الفاعل وحققه بإدخال الجار عليه فقال :( به بذنوب عباده ) أي وكل ما سواهم عباده ) خبيراً ( لا يخفى عليه شيء منها وإن دق، ثم وصفه بما يقتضي أنه مع ما له من عظيم القدرة بالملك والاختراع - متصف بالأناة وشمول العلم وحسن التدبير ليتأسى به المتوكل عليه فقال :( الذي خلق السماوات والأرض ) أي على عظمهما ) وما بينهما ( من الفضاء والعناصر والعباد وأعمالهم من الذنوب وغيرها
٧٧ ( ) إلا يعلم من خلق ( ) ٧
[ الملك : ١٤ ] وقوله :( في ستة أيام ( تعجيب للغبي الجاهل، تدريب للفطن العالم في الحلم والأناة والصبر على عباد الله مقدار ستة من أيامنا، فإن الأيام ما حدثت إلا بعد خلق الشمس، الإقرار بأن تخصيص هذا العدد لداعي حكمه عظيمة، وكذا جميع أفعاله وإن كنا لا ندرك ذلك، هو الإيمان، وجعل الله


الصفحة التالية
Icon