صفحة رقم ٣٣٨
جزاء ما أتبع نفسه هواها بما فيه من الحرارة الشيطانية - هذا في قراءة ابن عامر وأبي بكر عن عاصم بالرفع وهو بدل ) يلق ( في قراءة الجماعة، لأنهما تؤولان إلى معنى واحد، ومضاعفة العذاب - والله أعلم - إتيان بعضه في أثر بعض بلا انقطاع كما كان يضاعف سيئته كذلك، وقراءة ابن كثير وأبي جعفر وابن عامر ويعقوب بالتشديد تفيد مطلق التعظيم للتضعيف، وقراءة الباقين بالمفاعلة تقضيه بالنسبة غلى من يباري آخر فيه فهو أبلغ.
الخامس : التهويل بقوله :( يوم القيامة ( الذي هو أهول من غيره بما لا يقايس.
السادس : الإخبار بالخلود الذي هو أول درجاته أن يكون مكثاً طويلاً، فقال عاطفاً في القراءتين على يضاعف :( ويخلد فيه (.
السابع : التصريح بقوله :( مهاناً ( ولعله للاحتراز عما يجوز من أن بعض عصاة هذه الأمة - الذين يريد الله تعذيبهم - يعلمون أنهم ينجون ويدخلون الجنة، فتكون إقامتهم - مع العلم بالمآل - ليست على وجه الإهانة، فلما عظم الأمر من هذه الأوجه، علم أن كلاًّ من هذه الذنوب كبير، وإذا كان الأعم كبيراً، كان الأخص المذكور أعظم من مطلق الأعم، لأنه زاد عليه بما صار به خاصاً، فثبت بهذا أنها كبائر، وأن قتل الولد والزنى بحليلة الجار أكبر لما ذكر، فوضح وجه تصديق الآية للخبر، ولا يقال : إن الإشارة ترجع إلى المجموع، فالتهويل خاص بمن ارتكب مجموع هذه الذنوب لأنا نقول : السياق يأباه، لأن تكرار ( لا ) أفاد - كما حققه الرضي - ورود النفي على وقوع الخصال الثلاث حال الاجتماع والانفراد، فالمعنى : لا يوقعون شيئاً منها، فكان معنى ) ومن يفعل ذلك ( : ومن يفعل شيئاً من ذلك - ليرد الإثبات على ما ورد عليه النفي، فيحصل التناسب، وأما عدم منافاة الآية للترتيب فمن وجهين : الأول أن الأصل في التقديم الاهتمام بما سبقت له الآية، وهو التنفير المفيد للتغليظ، فيكون كل واحد منها أعلى مما بعده.
الثاني أن الواو لا تنافيه، وقد وقعت الفعال مرتبة في الذكر كما رتبت في الحديث ب ( ثم ) فيكون مراداً بها الترتيب - والله الهادي.
ولما أتم سبحانه تهديد الفجار، على هذه الأوزار، أتبعه ترغيب الأبرار، في الإقبال على الله العزيز الغفار، فقال :( إلا من تاب ) أي رجع إلى الله عن شيء مما كان فيه من هذه النقائص ) وآمن ) أي أوجد الأساس الذي لا يثبت عمل بدون وهو الإيمان، أو أكد وجوده ) وعمل (.
ولما كان الرجوع عنه أغلظ، أكد فقال :( عملاً صالحاً ( اي مؤسساً على أساس الإيمان ؛ ثم زاد في الترغيب بالإتيان بالفاء ربطاً للجزاء بالشرط دليلاً على أنه سببه فقال :( فأولئك ) أي العالو المنزلة ) يبدل الله ( وذكر الاسم الأعظم تعظيماً للأمر وإشارة إلى انه سبحانه لا منازع له ) سيئاتهم حسنات ( اي بندمهم


الصفحة التالية
Icon