صفحة رقم ٣٥٠
الغضب، وإن قدم الوصف اللائق به، فلا يعذب إلا بعد البيان مع طول الإمهال، وأخلى قصة أبيهم غبراهيم عليه السلام من ذكر الإهلاط إشارة غلى البشارة بالرفق ببنية العرب في الإمهال كما رفق بهم في الإنزال والإرسال، ولما كان مع ذلك في هذه القصة تسلية للنبيّ ( ﷺ ) فيما يقاسيه من الأذى والتكذيب، وكانت التسلية بموسى وإبراهيم عليهما السلام أتم، لما لهما من القرب، والمشاركة في الهجرة، والقصد إلى الأرض المقدسة، وكان قد اختص موسى عليه السلام بالكتاب الذي ما بعد القرآن مثله والآيات التي ما أتى بمثلها أجد قبله، وإقرار عينه بهداية قومه، وحفظهم بعده بالكتاب، وسياسة الأنبياء المجددين لشريعته، وعدم استئصالهم بالعذاب والانتقام بأيديهم من جميع أعدائهم، وفتح بلاد الكفرة على أيديهم بعده ( ﷺ ) إلى غير ذلك مما شابهوا به هذه الأمة مع مجاورتهم للعرب حتى في دار الهجرة، وموطن النصرة، ليكون في إقرارهم على ما يسمعون من أخبارهم أعظم معجزة، وأتم دلالة، قدمهما مقدماً لموسى - عليهما السلام، والتحية والإكرام - فإن كان القصد تسكين ما أورثه خر تلك منخوف الملازمة بالعذاب نظراً إلى وصف العزة، فالتقدير : اذكر أثر رحمتنا بطول إمهالنا لقومك - وهم على أشد ما يكون من الكفر والضلال في ايام الجالهية - برحمتنا الشاملة بإرسالك إليهم وأنت أشرف الرسل، وإنزال هذا الكتاب الذي هو أعظم الكتب ) هو ( اذكر ) إذ ( وعلى تقدير التسلية يكون العطف على تلك لأن المراد بها التنبيه، فالتقدير : خذ آيات الكتاب واذكر إذ ) نادى ربك ) أي المحسن إليك بكل ما يمكن افحسان به في هذه الدار، وعلى تقدير الترهيب يكون التقدير : أو لم يروا إذ نادى ربك، وعدّوا رائين لذلك لأن اليهود في بلادهم وفي حد القرب منهم، فإما أن يكونوا عالمين بالقصة بما سمعوه منهم، أو متهيئين لذلك لإمكانهم من سؤالهم ؛ ثم ذكر المنادى فقال :( موسى ( وأتبعه ما كان له النداء فقال مفسراً لأن النداء في معنى القول :( أن أئت القوم ( اي الذين فيهم قوة وأيّ قوة ) الظالمين ) أي بوضعهم قوتهم على النظر الصحيح المؤدي للإيمان في غير موضعها.
الشعراء :( ١١ - ١٨ ) قوم فرعون ألا.....
) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ( ( )
ولما كان كأنه قيل : أيّ قوم ؟ قال مبدلاً إشارة أن العابرتين مؤداهما واحد لأنهم عريقون في الظلم، لظلمهم أنفسهم بالكفرة وغيره، وظلم بني إسرائيل وغيرهم من العباد :( قوم فرعون (.


الصفحة التالية
Icon