صفحة رقم ٣٥١
ولما كان المقصود بالرسالة تخويفهم من الله تعالى، وإعلامهم بجلاله، استانف قوله معلماً بذلك في سياق الإنكار عليهم، والإيذان بشديد الغضب منهم، والتسجيل عليهم بالظلم، والتعجيب من حالهم في عظيم عسفهم فيه، وأنه قد طال إمهاله لهم وهو لا يزدادون إلا عتواً ولزماً للموبقات :( ألا يتقون ( اي يحصل منهم تقوى.
ولما كان من ا لمعلوم أن من أتى الناس بما يخالف أهوائهم.
لم يقبل، أخبر من تشوف إلى معرفة جوابه أنه أجاب بما يقتضي الدعاء بالمعونة، لما عرف من خطر هذا المقام، بقوله ملتفتاً إلى نحو
٧٧ ( ) يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ( ) ٧
[ الفرقان : ٣٠ ] ) قال رب ) أي أيها الرفيق بي ) إني أخاف أن يكذبون ) أي فلا يترتب على إتياني إليهم أثر، ويبغون لي الغوائل، فاجعل لي قبولاً ومهابة تحرسني بها ممن يريدني بسوء، ويجوز أن يريد ب ( أخاف ) أعلم أو ( أظن، فيكون ( أن ) مخففة، فيكون الفعلان معطوفين على ( يكذبن ) في قراءة الجمهور بالرفع مع جواز العطف على ( أخاف ) فيكون التقدير :( و ( أخاف أنه، أو قال : إني ) يضيق صدري ( عند تكذيبهم أو خوفي من تكذيبهم لي انفعالاً كما هو شأن أهل المروءات، وأرباب علو الهمم، لما غرز فيهم من الحدة والشدة في العزيمة إذا لم يجدوا مساغاً ) ولا ينطلق ( ونصب يعقوب الفعلين عطفاً على ) يكذبون ( على أن ( أن ) ناصبة ) لساني ( اي في التعبير عما ترسلني إليهم به، لما فيه من الحبسة في الأصل بسبب تعقده لتلك الجمرة التي لدغته في حال الطفولية، فإذا وقع التكذيب أو خوفه وضاق القلب، انقبض الروح إلى باطنه فازدادت الحبسة، فمست الحاجة إلى معين يقوي القلب فيعين على إطلاق اللسان عند الحبسة لئلا تختل الدعوة ) فارسل ( اي فتسبب عن ذلك الذي اعتذرت به عن المبادرة إلى الذهاب عند الأمر أني أسألك في الإرسال ) إلى هارون ( أخي، ليكون رسولاً من عندك فيكون لي عضداً على ما أمضى له من الرسالة فيعين على ما يحصل من ذلك، وليس اعتذاره بتعلل في الامتثال، وكفى بطلب العون دليلاً على التقبل، لا على التعلل.
ولما ذكره ما تؤثره الرسالة، وقدم الإشارة إلى استكشافه لأنه أهم، أتبعه ما يترتب على مطلق التظاهر لهم فضلاً عن مواجهتهم بما يكرهون فقال :( ولهم عليّ ) أي بقتلي نفساً منهم ؛ وقال :( ذنب ( وإن كان المقتول غير معصوم تسمية له بما يزعمونه، ولذلك قيده ب ( لهم ) وأيضاً فلكونه ما كان أتاه فيه من الله تعالى أمر بخصوصه ) فأخاف ( بسبب ذلك ) أن يقتلون ) أي بذلك، مع ما أضمه إليه من التعرض لهم، فلا أتمكن من أداء الرسالة، فإذا كان هارون معي عاضدني في إبلاغها، وكل ذلك استكشاف واستدفاع للبلاء، واستعلام للعافية، لا توقف في القبول - كما مضى التصريح به في سورة طه.