صفحة رقم ٣٨٩
عالماً فهو قاصر العلم فهو غير قادر :( ربي أعلم ) أي مني ) بما تعملون ( لأنه محيط العلم فهو شامل القدرة، فهو يعلم استحقاقكم للعذاب، ومقدار ما تستحقون منه ووقت إنزاله، فإن شاء عذبكم، وأما أنا فليس عليّ إلا البلاغ وأنا مأمور به، فلم أخوفكم من نفسي ولا ادعيت قدرة على عذابكم، فطلبكم ذلك مني ظلم منكم مضموم إلى ظلمكم بالتكذيب.
ولما كان محط كلامهم كله على تكذيبهم له من غير قدح في قدرة الخالق، سبب العذاب عن تكذيبهم فقال :( فكذبوه ) أي استمروا على تكذيبه ) فأخذهم ) أي أخذ ملاك ) عذاب يوم الظلة ( وهي سحابة على نحو ما طلبوا من قطع السماء، أتتهم بعد حر شديد نالهم حتى من الأسراب في داخل الأرض أشد مما نالهم من خارجها ليعلم أن لا فاعل إلا الله، وأنه يتصرف كيف شاء على مقتضى العادة وغير مقتضاها فوجدوا من تلك الظلة نسيماً بارداً، وروحاً طيباً، فاجتمعوا تحتها استرواحاً إليها واستظلالاً بها، فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا بنحو مما اقترحوا وأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، فنفذت فيهم سهام القدرة.
ولم يجدوا من دونها وقاية ولا سترة من غير أن تدعو حاجة إلى سقوط شيء من جرم السماء، ولا بما دونها من العماء.
ولما كان الحال موجباً للسؤال عن يوم الظلة، قال تعالى مهوّلاً لأمره ومعظماً لقدره :( إنه كان ( فأكد ب ( إن ) وعطم ب ( كان ) ) عذاب يوم عظيم ( وزاده عظماً بنسبته إلى اليوم فصار له من الهول، ببديع هذا القول، ما تجب له القلوب وتعظم الكروب.
الشعراء :( ١٩٠ - ١٩٩ ) إن في ذلك.....
) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ( ( )
ولما كان لتوالي الأخبار بإهلاك هذه القرون، وإبادة من ذكر من تلك الأمم، من الرعب ما لا يبلغ وصفه، ولا يمكن لغيره سبحانه شرحه، قال تعالى مشيراً إليه تحذيراً من مثله :( إن في ذلك ) أي الأمر العظيم من الإنجاء المطرد لكل رسول ومن أطاعه، والأخذ المطرد لمن عصاه في كل عصر بكل قطر، بحث لا يشذ من الفريقين إنسان قاص ولا دان ) لآية ( اي لدلالة واضحة عظيمة على صدق الرسل وأن يكونوا جديرين بتصديق العباد لهم في جميع ما قالوا من البشائر والنذائر بأن الله تعالى يهلك من عصاه، وينجي من والاه، لأنه الفعال المختار، لا مانع له، ولا سيما أنت وأنت أعظمهم منزلة، وأكرمهم رتبة، ولا سيما وقد أتيت قومك بما لا يكون معه شك لو لم يكن لهم