صفحة رقم ٤١٦
مررت بوادي النمل يا صاح بكرة فصحت وأجريت الدموع على خدي وتممت منه موقف الهاشمي الذي ملأ الأرض توحيداً يزيد على العد وكم موقف افرشه حر جبهتي وأبديت في أرجائه ذلة العبد
- في قصيدة طويلة.
ولما كانوا في أمر يهول منظره، ويوهي القوى مخالطته ومخبره، فكان التقدير : فتبدت طلائعهم، وتراءت راياتهم ولوامعهم، وأحمالهم ووضائعهم، نظم به قوله :( قالت نملة ) أي من النمل الذي بذلك الوادي :( يا أيها النمل ( ولما حكى عنهم سبحانه ما هو من شأن العقلاء، عبر بضمائرهم فقال :( ادخلوا ( اي قبل وصول ما أرى من الجيش ما ) مساكنكم ( ثم عللت أمرها معينة لصاحبه إذ كانت أمارته لا تخفى فقالت جواباً للأمر أو مبدلاً منه :( لا يحطمنكم ) أي يكسرنكم ويهشمنكم اي لا تبرزوا فيحطمنكم.
فهو نهي لهم عن البروز في صور نهيه وهو أبلغ من التصريح بنهيهم لأن من نهى كبيراً عن شيء كان لغيره أشد نهياً ) سليمان وجنوده ) أي فإنهم لكثرتهم بنهيهم لأن صاروا في الوادي استعلوا عليه فطبقوه فلم يدعوا منه موضع شبر خالياً ) وهم ) أي سليمان عليه السلام وجنوده ) لا يشعرون ( اي بحطمهم لكم لاشتغالهم بما هم فيه من أحوال السير، وتعاطي مصالحة، مع صغر أجسامكم، وخفائكم على السائر في حال اضطرابكم ومقامكم، وقولها هذا يدل على علمها بأنهم لو شعروا بهم ما آذوهم لأنهم أتباع نبي فهم رحماء.
ولماكان هذا أمراً معجباً لما فيه من جزالة الألفاظ وجلالة المعاني، تسبب عنه قوله :( فتبسم ( ولما دل ذلك على الضحك، وكان ذلك قد يكون للغضب، أكده وحقق معناه بقوله :( ضاحكاً من قولها ( اي لما أوتيته من الفصاحة والبيان، وسروراً بماوصفته به من العدل في أنه وجنوده لا يؤذن أحداً وهم يعلمون ) وقال ( متذكراً ما أولاه ربه سبحانه بحسن تربيته من فهم كلامها إلى ما أنعم عليه من غير ذلك :( رب ) أي أيها المحسن إليّ ) أوزعني أن ) أي اجعلني مطيقاً لأن ) أشكر نعمتك ) أي وازعاً له كافاً مرتبطاً حتى لا يغلبني.
ولا يتفلت مني، ولا يشذ عني وقتاً ما.
ولما أفهم ذلك تعلق النعمة به.
حققه بقوله :( التي أنعمت عليّ ( وربما أفهم قوله :( وعلى والديّ ( أن أمه كانت أيضاً تعرف منطق الطير.
وتحقيق معنى هذه العبارة أن مادة ( وزع ) - بأيّ ترتيب كان - يدور على المعوز - لخرقة بالية يلف بها الصبي، ويلزمها التمييز، فإن الملفوف بها يتميز عن غيره، ومنه الأوزاع وهم الجماعات المتفرقة، ويلزمها أيضاً الإطاقة فإن أكثر الناس يجدها، ومنه العزون - لعصب من