صفحة رقم ٤٢٣
التي بالغ في وصفها، تشوفت النفس إلى قولها عند ذلك، فكان كأنه قيل : فأخذ الكتاب وذهب به، فلما ألقاه إليها وقرأته، وكانت كاتبة نم قوم تبع ) قالت ( لقومها بعد أن جمعتهم معمظمة لهم، أو لأشرافهم فقط :( يا ايها الملؤا ) أي الأشراف.
ولما كان من شأن الملوك أن لا يصل إليهم أحد بكتاب ولا غيره إلا على ايدي جماعتهم، عظمت هذا الكتاب بأنه وصل إليها على غير ذلك المنهاج فبنت للمفعول قولها :( إني ألقي إليَّ ) أي بإلقاء ملق على وجه غريب ) كتاب ) أي صحيفة مكتوب فيها كلام وجيز جامع.
ولما كان الكريم كما تقدم في الرعد - من ستر مساوىء الأخلاق بإظهار معاليها لأنه ضد اللئيم، وكان هذا الكتاب قد حوى من الشرف أمراً باهراً لم يعهد مثله منجهة المرسل والرسول والافتتاح بالاسم الأعظم إلى ما له من وجازة اللفظ وبلوغ المعنى، قالت :( كريم ( ثم بينت كرمه أو استأنفت جواباً لمن يقول : ممن هو وما هو ؟ فقالت :( إنه ) أي الكتاب ) من سليمان ( وفيه دلالة على أن الابتداء باسم صاحب الكتاب لا يقدح في الابتداء بالحمد ) وأنه ( اي المكتوب فيه ) بسم الله الرحم الرحيم ( فحمد المستحق للحمد وهو الملك الأعلى المحيط عظمه بدائرتي الجلال والإكرام، العام الرحمة بك نعمة، فملك الملوك من فائض ما له من الإنعام الذي يخص بعد العموم من يشاء بما يشاء مما ترضاه ألوهيته من إنعامه العام، بعد التعريف باسمه إشارة إلى أنه المدعو إليه للعبادة بما وجب له لذاته وما استحقه بصفاته، وذلك كله بعد التعريف بصاحب الكتاب ليكون ذلك أجدر بقبوله، لأن أكثر الخلق إنما يعرف الحق بالرجال، ولما في كتابه من الدلالة على نبوته، فسر مراده بأمر قاهر فقال :( ألا تعالوا عليّ ) أي لا تمتنعوا من الإجابة لي، والإذعان لأمري، كما يفعل الملوك، بل اتركوا علوهم، لكوني داعياً إلى الله الذي أعلمت في باء البسملة لا تكون حركة ولا سكون إلا به، فيجب الخضوع له لكونه رب كل شيء ) وأتوني مسلمين ) أي منقادين خاضعين بما رايتم من معجزتي في أمر الكتاب.
ولما تشوفت النفس غلى جوابهم، أعلم سبحانه بأنهم بهتوا فقال :( قالت يا أيها الملؤا ( ثم بينت ما داخلها من الرعب من صاحب هذا الكتاب بقولها :( أفتوني ) أي تكرموا عليّ بالإبانة عما أفعله ) في أمري ( هذا الذي أجيب به عن هذا الكتاب، جعلت المشورة فتوى توسعاً، لأن الفتوى الجواب في الحادثة، والحكم بما هو صواب مستعار من الفتاء في السن الذي صفرة العمر ؛ ثم عللت أمرها لهم بذلك بأنها شأنها دائماً مشاورتهم في كل جليل وحقير، فكيف بهذا الأمر الخطير، وفي ذلك استعطافهم


الصفحة التالية
Icon