صفحة رقم ٤٣٧
أكثر من نهيه لهم عن هذه الفاحشة، فلا يخلو حالهم من أمرين : إما أنهم كانوا لا يشركون بالله تعالى شيئاً، ولكنهم لما ابتكروا هذه المعضلة وجاهروا بها مصرين عليها، أخذوا بالعذاب لذلك ولكفرهم بتكذيبهم رسولهم، كما صرحت به آية الشعراء، وإما أنهم كانوا مشركين، ولكنه عليه السلام لما رآهم قد سلفوا إلى رتبة البهيمية، رتب داعاءهم منها إلى رتبة الإنسانية، ثم إلى رتبة الوحدانية، ويدل على هذا التقدير الثاني قوله مشيراً إلى أن الله تعالى أهلكهم وجميع من كفر من قبلهم، ولم تغن عنهم معبوداتهم شيئاً، بقوله :( الله ) أي الذي له الجلال والإكرام ) خير ) أي لعباده الذين اصطفاهم فأنجاهم ) أما تشركون ( يا معاشر العرب من الأصنام وغيرها لعباديها ومحبيها فإنهم لا يغنون عنكم شيئاً كما لم يغنوا عمن عبدهم من هؤلاء الذين أهلكناهم شيئاً، ولا تفزعون عند شدائدهم إلا إلى الله وحده، هذا على على قراءة الخطاب للجماعة، والتقدير على قراءة الغيب للبصرين وعاصم : أما يشرك الكفار عامة قديماً وحديثاً لمن أشركوا بهم، فلم يقدروا على نفعهم عند إحلال البأس بهم، وأفعل التفضيل لإلزام الخصم والتنبيه على ظهور خطائه المفرط، وجهله المورط إلى حد لا يحتاج فيه إلى كشف لأعلى بابها.
ولما كان مع هذا البيان منالأم الواضح أن التقدير زيادة في توبيخ المشكرين وتقرير المنكرين : من فعل هذه الأفعال البالغة في الحكمة المتناهية في العلم أم من سميتموه إلها، ولا اثر له أصلاً، عاد له بقوله :( أمَّن ( وكان الأصل : أم هو، ولكنه عبر باسم موصول أصل وضعه لذي العلم، ووصله بما لا يصح أن يكون لغيره ليكون كالدعوى المقرونة بالدليل فقال :( خلق السماوات والأرض ( تنبيهاً بالقدرة علىبدء الخلق على القدرة على إعادته، بل من باب الأولى، دلالة على الإيمان بالآخرة تخافاً بأخلاق المؤمنين الذين مضى أول السورة أن هذا القرآن المبين بشرى لهم.
ولما كان الإنبات.
من أدل الآيات، على إحياء الأموات، قال :( وأنزل ( وزاد في تقريعهم وتبكيتهم وتوبيخهم بقوله :( لكم ) أي لأجلكم خاصة وأنتم تكفرون به وتنسبون ما تفرد به من ذلك لغيره :( من السماء ماء ( هو للارض كالماء الدافق للأرحام كالماء الذي ينزل آخر الدهور على القبور.
في وجوده وقدرته واختياره لفعل المتباينات في الطعم واللون والريح والطبع والشكل بماء واحد في أرض واحدة واختصاصه بفعل ذلك من غير مشاركة شيء له شيء منه أصلاً، وهو آيته العظمى على أمر البعث، عدل إلى التكلم وعلى وجه العظمة فقال :( فأنبتنا ) أي بما لنا من العظمة ) به حدائق ) أي بساتين محدقة - أي محيطة - بها أشجارها وجدرانها، والظاهر