صفحة رقم ٤٣٨
أن المراد كل ما كان هكذا، فإنه في قوة أن يدار عليه الجدار وإن لم يكن له جدار، وعن الفراء أن البستان إن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة.
ولما كان الأولى بجمع الكثرة لما لا يعقل الوصف بالمفرد قال مفيداً أنها كالشيء الواحد في ذلك الوصف :( ذات بهجة ) أي بهاء وحسن رونق، وبشر بها وسرور على تقارب اصولها مع اختلاف أنواعها، وتباين طعومها وأشكالها، ومقاديرها وألوانها.
ولما أثبت الإنبات له، نفاه عن غيره على وجه التأكيد تنبيهاً على تأكد اختصاصه بفعله، وعلى أنه إن أسند إلى غيره فهو مجاز عن التسبب وأن الحقيقة ليست إلا له فقال :( ما كان ) أي ما صح وما تصور بوجه من الوجوه ) لكم ( وأنتم أحياء فضلاً عن شركائكم الذين هم أموات بل موات ) أن تنبتوا شجرها ) أي شجر تلك الحدائق.
ولما ثبت أنه المتفرد بالألوهية، حسن موقع الإنكار والتقرير في قوله :( أإله ) أي كائن ) مع الله ) أي الملك الأعلى الذي لا مثل له.
ولما كان الجواب عند كل عاقل : لا وعزته قال معرضاً عنهم للإيذان بالغضب :( بل هم ) أي في جعائهم معه سبحانه شريكاً ) قوم يعدلون ) أي عن الحق الذي لا مرية فبه إلى غيره، مع العلم بالحق، فيعدلون بالله غيره.
ولما فرغ من آية اشترك فيها الخافقان، ذكر ما تتفرد به الأرض، لأنها اقرب إليهم وهم بحقيقتها وما لا بسوه من أحوالها أعلمم منهم بالأمور السماوية، تعديداً للبراهين الدالة على تفرده بالفعل الدال على تفرده بالإلهية، فقال مبدلاً من ) أمَّن خلق ( :( أمَّن ) أي أم فعل ذلك الذي ) جعل الأرض قراراً ) أي مستقرة في نفسها ليقر عليها غيرها، وكان القياس يقتضي أن تكون هاوية أو مضطربة كما يضطرب ما هو معلق في الهواء.
ولما ذكر قرارها، أتبعه دليله في معرض الامتنان فقال :( وجعل خلالها ( اي في الأماكن المنفرجة بين جبالها ) أنهاراً ) أي جارية هلى حالة واحدة، فلو اضطربت الأرض أدنى اضطراب، لتغيرت مجاري المياه بلا ارتياب.
ولما ذكر الدليل، ذكر سبب القرار فقال :( وجعل لها رواسي ) أي كمارسي السفن، كانت أسباباً في ثباتها على ميزان دبره سبحانه في مواضع من أرجائها بحيث اعتدلت جميع جوانبها فامتنعت من الاضطراب.
ولما أثبت القرار وسببه، وكان قد جعل سبحانه للأنهار طرقاً تتصرف فيها ولو حبسها عن الجري شيء لأوشك أن تستبحر، فيصير أكثر الأرض لا ينتفع به في سير ولا