صفحة رقم ٤٣٩
نبات، أو أن تخرق ذلك الحابس بما لها من قوة الجري وشدة النفوذ بلطافة السريان، لأن من عادة المياه التخلل بين أطباق التراب والتغلغل بما لها من اللطافة والرقة، والثقل في الأعماق ولو قليلاً قليلاً، وكان سبحانه قد سد ما بين البحرين : الرومي والفارسي، وكان ما بينهما من الأرض إنما هو يسير جداً في بعض المواضع، وكان بعض مياه الأرض عذباً، وبعضه ملحاً، معالقرب جداً من ذلك العذب، سالهم - تنبيهاً لهم على عظيم القدرة - عن الممسك لعدوان أحدهما على آخر، ولعدوان كل من خليجي الملح على ما بينهما لئلا يخرقاه فيتصلا فقال :( وجعل بين البحرين حاجزاً ( اي يمنع أحدهما أن يصل إلى الآخر.
ةولماكان من المعلوم أنه الله وحده.
ليس عند عاقل شك في ذلك، كرر الإنكار في قوله :( إله مع الله ) أي المحيط علماً وقدرة.
ولما كان الجواب الحق قطعاً : لا، وكان قد أثبت لهم في الإضراب الأول علماً من حيث الحكم على المجموع، وكان كل منهم يدعي رجحان العقل، وصفاء الفكر، ورسوخ اقدم في العلم بما يدعيه العرب، قال :( بل أكثرهم ( اي الخلق الذين ينتفعون بهذه المنافع ) لا يعلمون ) أي ليس لهم نوع من العلم، بل هم كالبهائم لإعراضهم عن هذا الدليل الواضح.
ولما دلهم بآيات الآفاق، وكانت كلها من أحوال السراء، وكانت بمعرض الغفلة عن الإله، ذكرهم بما في أنفسهم مما يوجبه تغير الأحوال الدالة بمجردها على الإله، ويقتضي لكل عاقل صدق التوجه إليه، وإخلاص النية لديه، والإقبال عليه، على ذلك ركزت الطباع، وانعقد الإجماع، فلم يقع فيه نزاع، فقال :( أمن يجيب المضطر ) أي جنس الملجأ إلى ما لا قبل له به، الصادق على القليل والكثير إذا أراد إجابته كما تشاهدون، وعبر فيه وفيما بعده بالمضارع لأنه مما يتجدد، بخلاف ما مضى من خلق السماوات وما بعده ) إذا دعاه ) أي حين ينسيكم الضر شركاءكم، ويلجئكم غلىمن خلقكم ويذهل المعطل عن مذهبه ويغفله عن سوء أدبه عظيمُ إقباله على قضاء أربه.
ولما كانت الإجابة ذات شقين، جلب السرور، ودفع الشرور، وكان النظر إلى الثاني أشد، خصه بادئاً به فقال :( ويكشف السوء ( ثم أتبعه الأول على وجه أعم، فقال مشيراً إلى عظيم المنة عليهم بدعلهم مسلطين علين على جميع من في الأرض وما في الأرض مشرفين بخلافته سبحانه، وذلك أقبل عليهم، ) ويجعلكم خلفاء الأرض ( اي فيما يخلف بعضكم بعضاً، لا يزلا يجدد ذلك بإهلاك قرن وإنشاء آخر إلىقيلم الساعة.
ولما كان هذا أبين، كرر الإنكار فيه مبكتاً لهم بالنسيان فقال :( أإله ) أي كائن أو موجود ) مع الله ) أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له.
ثم استأنف التبكيت تفظيعاً له