صفحة رقم ٤٤٠
ومواجهاً به في قراءة الجاعة لما يؤذن به كشف هذه الأزمات من القرب المقتضي للخطاب، ولذلك أكد بزيادة ( ما ) فقال :( قليلا ما تذكرون ( اي بأن من أنجاكم من ذلك وحده حين أخلصتم له التوجه عند اشتداد الكربات، في الأمور المهمات، فإن هذا قياس ظاهر، ودليل باهر، ولكن من طبع الإنسان نسيان ما كان فيه من الضير، عند مجيء الخير، ومن قرأ بالتحتانية وهم أبو عمرو وهشام وروح، فللإيذان بالغضب الأليق بالكفران، مع عظيم الإحسان.
ولما ذكر آيات الأرض، وختم بالمضطر، وكان المضطر قد لا يتهدي لوجه حيلة، أتبعها آيات السماء ذاكراً ما هو من أعظم صور الاضطرار فقال :( أمَّن يهديكم ( اي إذا سافرتم بما رسم لكم من المعالم العلوية والسفلية ) في ظلمات البر ) أي بالنجوم والجبال والرياح، وهي وإن كانت أضعفها فقد يضطر إليه حيث لا يبدو شيء من ذينك ) والبحر ( بالنجوم والرياح.
ولما كانت الرياح كما كانت من أدلة السير، كان بعضها من أدلة المطر، قال :( ومن يرسل الرياح ) أي التي هي من دلائل السير ) نشراً ( اي تنشر السحاب وتجمعها ) بين يدي رحمته ) أي التي المطر تسمية للمسبب باسم السبب ؛ والرياح التي يهتدي بها في المقاصد أربعك الصبا، والدبور، والشمال، والجنوب، وهي أعف الدلائل ؛ قال الإمام أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري في كتاب اسماء الأشياء وصفاتها : الرياح أربع : الشمال، وهي التي تجيء عن يمينك إذا استقبلت قبلة العراق - يعني : وذلك ما بين مطالع الشمس الصيفيةة وبنات نعش، وهي في الصيف حارة، واسمها البارح، والجنوب تقابلها، والصبا من مطلع الشمس وهي القبول، والدبور تقابلها، ويقال الجنوب : النعامى والأرنب - انتهى.
وهذه العبارة أبين العبارات في تعيين هذه الرياح، وقال الإمام أبو العباس أحمد بن أبي أحمد بن القاص الطبري الشافعي في كتابه أدلة القبلة : إن قبلة العارقيين إلى باب الكعبة كله إلى الركن الشامي الذي عند الحجر، وقال : وقد اختلف أهل العلم بهذا الشأن - أي في التعبير عن مواطن الرياح - اختلافاً متبايناً، وأقرب ذلك - على ما جربته وتعاهدته بمكة - أن الصبا تهب ما بين مطالع الشمس في الشتاء إلى مطلع سهيل، وسهيل يمان مسقطه في رأي العين على ظهر الكعبة إذا ارتفع، وقال صاحب القاموس : والصبا ريح مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش، وقال : والقبول كصبور : ريح الصبا، لأنها تقابل الدبور، أو لأنها تقابل باب


الصفحة التالية
Icon