صفحة رقم ٤٤٣
البحر يخلصون له سبحانه ويتركون شركاءهم، نبههم على أن ذلك موجب لاعتقاد كون الإخلاص له واجباً دائماًن فأتبعه قوله على سبيل الاستعظام، معرضاً عنهم بإجماع العشرة إعراض من بلغ به الغضب :( تعلى الله ) أي الفاعل الادر المختار الذي لا كفوء له ) عما يشركون (، أي فإن شيئاً منها لا يقدر على شيء من ذلك، وأين رتبة العجز من رتبة القدرة.
ولما رتب سبحانه هذه الأدلة على هذا الوجه ترقياً من أعم إلى أخص، ومن أرض إلى سماء، ختمها بما يعمها وغيرها، إرشاداً غلى قياس ما غاب منها على ما شوهد، فلزم من ذلك قطعاً القدرة على الإعادة، فساقها لذلك سياق المشاهد المسلم، وعد من أنكره في عداد من لا يلتفت إليه فقال :( أمن يبدؤا الخلق ( اي كله : ما علمتم منه وما لم تعلموا، ثم بيده لأن كل شيء هالك إلا وجهه، له هذا الوصف باعترافكم يتجدد ابداً تعلقه.
لما كان من اللازم البين لهم الإقرار بالإعادة لاعترافهم بأن كل من أبدى شيئاً قادر على إعادته، لأن الإعادة أهون، قال :( ثم يعيده ) أي بعد ما يبيده.
ولما كان الإمطار والإنبات من أدل نما يكون على الإعادة، قال مشيراً إليهما على وجه عم جميع ما مضى :( ومن يرزقكم من السماء ( اي بالنبات والمعادن والحيوان وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله، وعر عنهما بالرزق لأن به تمام النعمة ) أإله مع الله ) أي الذي له صفات الجلال والإكرام، كائن، أو يفعل شيئاً من ذلك.
ولما كانت هذه كلها براهين ساطعة، ودلائل قاطعة، وأنواراً لامعة، وحججاً باهرة، وبينات ظاهرة، وسلاطين قاهرة، على التوحيد المستلزم للقدرة على البعث وغيره نم كل ممكن، أمره ( ﷺ ) إعراضاً عنهم، إيذاناً بالغضب في آخرها بأمرهم بالإتيان ببرهان واحد على صحة معتقدهم فقال :( قل ) أي هؤلاء المدعين للعقول ) هاتوا برهانكم ) أي على نفي شيء من ذلك عن الله تعالى، أو على إثبات شيء منه لغيره، لتثبت دعوى الشركة في الخلق فتسمع دعوى الشركة في الألوهية، وليكن إتيانكم بذلك ناجزاً من غير مهلة، لأن من يدعي العقل لا يقدر على شيء إلا ببرهان حاضر ) إن كنتم صادقين ( اي في أنكم على حق في أن مع الله غيره.
وأضاف البرهان إليهم إضافة ما كأنه عنيد، لا كلام في وجوده وتحققه، وإنما المراد الإتيان به كل ذلك تهكماً بهم وتنبيهاً على أنهم ابعدوا في الضلال، وأعرقوا في المحال، حيث رضوا لأنفسهم بتدن لا يضير إليه عاقل غلا بعد تحقق القطع بصحته، ولا شبهة في أنه لا شبهة لهم على شيء منه.