صفحة رقم ٤٥٣
على الاستمرار، مستهيناً ) بآيتنا ) أي المرئية بعدم الاعتبار بها، والمسموعة بردها والطعن فيه على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا ؛ وأشار إلى كثرتهم بقوله متسبباً عن العامل في الظرف من نحو : يكونون في ذل عظيم :( فهم يوزعون ) أي يكف بأدنى إشارة منه أولهم على - آخرهم، وأطرافهم على أوساطهم، ليتلاحقوا، ولا يشذ منهم أحد، ولا يزالون كذلك ) حتى إذا جاءوا ) أي المكان الذي أراده الله لتبكيتهم ) قال ( لهم ملك الملوك غير مظهر لهم الجزم بما يعلمه من أحوالهم، في عادهم وضلالهم، بل سائلاً لهم إظهاراً للعدل بإلزامهم بما يقرون به من أنفسهم، وفيه إنكار وتوبيخ وتبكيت وتقريع :( أكذبتم ) أي ايها الجاهلون ) بآياتي ( على ما لها من العظم في أنفسها، وبإتيانها إليكم على ايدي أشرف عبادي ) و ( الحال أنكم ) لم تحيطوا بها علماً ) أي من غي فكر ولا نظر يؤدي إلى الإحاطة بها في معانيها وما أظهرت لأجله حتى تعلموا ما تتحقه ويليق بها بدليل لا مرية فيه ) أمّاذا كنتم ) أي في تلك الأزمان بما هو لكم كالجبلات ) تعلمون ( فيها هل صدقتم بها أو كذبتم بعد الإحاطة بعلمها ؟ أخبروني عن ذلك كله ما دهاكم حيث لم تشتغلوا بهذا العمل المهم ؟ فإن هذا - وعزتي - مقام العدل والتحرير، ولا يترك فيه قطمير ولا نقير، ولا ظلم فيه على أحد في جليل ولا حقير، ولا قليل ولا كثير، والسؤال على هذا الوجه منبه على الاضطرار إلى التصديق أو الاعتراف بالإبطال، لأنهم إن قالوا : كذبنا، فإن قالوا مع عدم الإحاطة كان في غاية الوضوح في الإبطال، وإن قالوا مع الإحاطة كان أكذب الكذب.
ولما كان التقدير بما ارشد إليه السياق : فأجابوا بما تبين به أنهم ظالمون، عطف عليه قوله :( ووقع القول ) أي مضمون الوعيد الذي هو القول حقاً، مستعلياً ) عليهم بما ظلموا ) أي بسبب ما وقع منهم من الظلم من صريح التكذيب وما نشأ عنه من الضلال، في الأقوال والأفعال ) فهم لا ينطقون ) أي بسبب ما شغلهم من وقوع العذاب المتوعد به مما أحاط بقواهم، فهد أركانهم، وما انكشف لهم من أنه لا ينجيهم شيء.
ولما ذكر الحشر، استدل عليه بحشرهم كل ليلة إلى المبيت، والختم على مشاعرهم، وبعثهم من المنام، وإظهار الظلام الذي هو كالموت بعد النور، وبعث النور بعد إفنائه بالظلام، فقال :( الم يروا ( مما يدلهم على قدرتنا على بعثهم بعد الموت وعلى كل ما أخبرناهم به ) أنا جعلنا ( اي بعظمتنا التي لا يصل أحد غلى مماثلة شيء منها الدالة على تفردنا وفعلنا بالاختبار ) الليل ( اي مظلماً ) ليسكنوا فيه ( عن الانتشار ) والنهار مبصراً ( اي بإبصار من يلابسه، لينتشروا فيه في معايشهم بعد أن كانوا ماتوا