صفحة رقم ٤٦٥
نوقع التمكين ) لهم في الأرض ) أي كلها لا سيما أرض مصر والشام، بإهلاك أعدائهم وتأييدهم بكليم الله، ثم بالأنبياء من بعده عليهم الصلاة والسلام بحيث نسلطهم بسببهم على من سواهم بما نؤيدهم به من الملائكة ونظهر لهم من الخوارق.
ولما ذكر التمكين، ذكر أنه مع مغالبة الجبابرة إعلاماً بأنه أضخم تمكين فقال عاطفاً على نحو : ونريد أن نأخذ الذين علوا في الأرض وهم فرعون وهامان وجنودهما :( ونري ) أي بما لنا من العظمة ) فرعون ) أي الذي كان هذا الاستضعاف منه ) وهامان ( وزيره ) وجنودهما ( الذين كانا يتوصلان بهم إلى ما يريدانه من الفساد ) منهم ) أي المستضعفين ) ما كانوا ) أي بجد عظيم نمهم كأنه غريزة ) يحذرون ) أي يجددون حذره في كل حين على الاستمرار بغاية الجد والنشاط من ذهاب ملكهم بمولود منهم وما يتبع ذلك، قال البغوي : والحذر : التوقي من الضرر.
والآية من الاحتباك : ذكر الاستضعاف أولاً دليلاً على القوة ثانياً، وإراءة المحذور ثانياً دليلاً على إرادة المحبوب أولا، وسر ذلك أنه ذكر المسلي والمرجي ترغيباً في الصبر وانتظام الفرج.
ولما كان التقدير : فكان ما أردناه، وطاح ما أراد غيرنا، فأولدنا من بني إسرائيل الولد الذي كان يحذره فرعون على ملكه، وكان يذبح أبناء بني إسرائيل لأجله، وقضينا بأن يسمى موسى، بسبب أنه يوجد بين ماء وشجر، زنربيه في بيت الذي يحذره ويحتاط لأجله، عطف على هذا المعلوم التقدير أول نعمة منّ بها على الذين استضعفوا فقال :( وأوجينا ) أي أوصلنا بعظمتنا بطريق خفي، الله أعلم له هل هو ملك أو غيره، إذ لا بدع في تكليم الملائكة الولي من غير نبوة ) إلى أم موسى ) أي الذي أمضينا في قضائنا أنه يسمى بهذا الاسم، وأ، يكون هلاك فرعون وزوال ملكه على يده، بعد أن ولدته وخافت أن يذبحه الذباحون ) أن أرضعيه ( ما كنت آمنة عليه، وحقق لها طلبهم لذبحه بقوله :( فإذا خفت عليه ) أي منهم أن يصيح فيسمع فيذبح ) فألقيه ( اي بعد أن تضعيه في شيء يحفظه من الماء ) في اليم ) أي النيل، واتركي رضاعه، وعرفه وسماه يماً - واليم : البحر - لعظمته على غيره من الأنهار بكبره وكونه من الجنة، وما يحصل به من المنافع، وعدل عن لفظ البحر إلى اليم لأن القصد فيه أظهر من السعة ؛ قال الرازي في اللوامع : وهذا إشارة إلى الثقة بالله، والثقة سواد عين التوكل، ونقطة دائرة التفويض، وسويداء قلب التسليم، ولها درجات : الأولى درجة الأياس، وهو أياس العبد من مقواة الأحكام، ليقعد عن منازعة الإقسام، فيتخلص من صحة الإقدام ؛ والثانية درجة الأمن، وهو أمن العبد من فوت المقدور، وانتقاص المسطور، فيظفر بروح الرضى وإلا فبعين


الصفحة التالية
Icon