صفحة رقم ٤٨٥
ليعلم وجه عدم اعتباره ) قتلت منهم ) أي آل فرعون ) نفساً ( وأنت تعلم ما خرجت إلا هارباً منهم من أجلها ) فأخاف ( إن باديتهم، بمثل ذلك ) أن يقتلون ( لذنبي إليهم ووحدتي وغربتي وثقل لساني في إقامة الحجج.
ولما تسبب عن ذلك طلب الإعانة بشخص فيه كفاية وله عليه شفقة، وكان أخوه هارون أحق الناس بهذا الوصف، كان التقدير فأرسل معي أخي هارون - إلى آخره، غير أنه قدم ذكره اهتماماً بشأنه فقال :( وأخي هارون ( والظاهر أن واوه للحال من ضمير موسى عليه الصلاة والسلام، أو عاطفة على مقول القول، والمعنى أنه يخاف أن يفوت مقصود الرسالة إما بقتله أو لعدم بيانه، فاكتفى بالتلويح في الكفاية من الأول، لأنه لا طاقة لأحد غير الله بها، وصرح بما يكفي من الثاني، فكأن التقدير : إني أخاف أن يقتلون فيفوت المقصود، ولا يحميني من ذلك إلا أنت، وإن لساني فيه عقدة، وأخي - إلى آخره ؛ وزاد في تعظيمه بضمير الفصل فقال :( هو أفصح مني لساناً ) أي من جهة اللسان للعقدة التي كانت حصلت له من وضع الجمرة في فيه وهو طفل في كفالة فرعون ) فارسله ) أي بسبب ذلك ) معي رداءاً ) أي معيناً، من ردأت فلاناً بكذا، أي جعلته له قوة وعاضداً، وردأت الحائط - إذا دعمته بخشب أو كبش يدفعه أن يسقط ؛ وقراءة نافع بغير همز من الزيادة.
ولما كان له عليه من العطف والشفقة ما يقصر الوصف عنه، نبه على ذلك بإجابة السؤال بقوله :( يصدقني ) أي بأن يلخص بفصاحته ما قتله وبينته، ويقيم الأدلة عليه حتى يصير كالشمس وضوحاً، فيكون - مع تصديقه لي بنفسه - سبباً في تصديق غيره لي ؛ ورفعه عاصم وحمزة صفة لردءاً.
ثم علل سؤاله هذا، وبين أنه هو المراد، لا أن يقول لهك صدقت، فإن قوله لهذه اللفظة لا تعلق له بالفصاحة حتى يكون سبباً للسؤال فيه، بقوله مؤكداً لأجل أن من كان رسولاً ع الله لا يظن به أن يخافك ) إني أخاف أن يكذبون (.
ولما كان ما رأى من الأفعال، وسمع من الأقوال، مقتضياً للأمن من أن يكذبوه، وكان عالماً بما هم عليه من القساوة والكبر، أشار إلى ذلك بالتأكيد، أي وإذا كذبوني عسرت عليّ المحاججة على ما هو عادة أهل الهمم عند تمالؤ الخصوم على العناد، والإرسال موجب لكلام كثير وحجاج طويل، وقريب من هذا قول النبي ( ﷺ ) لما أمره الله تعالى بإنذار قومه ( إذن يثغلوا رأسي فيجعلوه خبزة ) وكأن مراد السادة القادة عليهم