صفحة رقم ٤٩٠
الإعذار، ببيان الآيات الكبار، قانعاً في مدافعة ما رأى أنه اجتذب قومه الأغمار الأغبياء عن الجهل من ظهور تلك الآيات البينات بأن يوقفهم عن الإيمان إلى وقت ما، وكذا كانت عادته كلما أظهر موسى عليه الصلاةوالسلام برهاناً، لأن ومه في غاية الغباوة والعراقة في الميل إلى الباطل والنفرة من الحق وترجيح المظنة على المئنة :( يا أيها الملأ ) أي الأشراف، معظماً لهم استجلاباً لقلوبهم ) ما عملت لكم ( وأعرق في النفي فقال :( من إله غيري ( نفى علمه بذلك إظهاراً للنصفة، وأنه ما قصد غشهم، وذلك منه واضح في أنه قصد تشكيكهم، إشارة منه إلى أن انتقاء علمه بوجوده ما هو إلا لانتفاء وجوده بعد علمه بأن الحق مع موسى عليه الصلاة والسلام لأنه أنهى ما قدر عليه بعد رؤيتهم لباهر الآيات، وظاهر الدلالات ؛ ثم زاد في إيقافهم عن المتابعة بأن سبب عن جهله قوله لوزيره معلماً له صنعه الآجر لأنه أول من عمله، مع أنه هذه العبارة أشبه بهمم الجبابرة من أن يقول : اصنع لي آجراً :( فأوقد لي ( أضاف الإيقاد إليه إعلاماً بأنه لا بد منه ) يا هامان ( وهو وزيره ) على الطين ( اي المتخذ لبناً ليصير آجراً ؛ ثم سبب عن الإيقاد قوله ) فاجعل لي ) أي منه ) صرحاً ( اي بناء عاياً يتاخم السماء، قال الطبري : وكل بناء مسطح فهو كالقصر، وقال الزجاج : كل بناء متسع مرتفع ) لعلي أطلع ) أي أتكلف الطلوع ) إلى إله موسى ( اي الذي يدعوا إليه، فإنه ليس في الرض أحد بهذا الوصف الذي ذكره فأنا أطلبه في السماء موهماً لهم أنه مما يمكن الوصول إليه على تقدير صحة الدعوى بأنه موجود، وهو قاطع بخلاف ذلك، ولكنه يقصد المدافعة من وقت إلى وقت، لعلمه أن العادة جرت بأن أكثر الناس يظنون بالملوك القدرة على كل ما يقولونه ؛ ثم زادهم شكاً بقوله، مؤكداً لأجل دفع ما استقر في الأنفس من صدق موسى عليه الصلاة والسلام :( وإني لأظنه ) أي موسى ) من الكاذبين ) أي دأبه ذلك، وقد كذب هو ولبس لعنة الله ووصف أصدق أهل ذلك الزمان بصفة العريقة في العدوان، وإن كان هذا الكلام منه على حقيقته فلا شيء أثبت شهادة على غفراط جهله وغباوته منه حيث ظن أنه يصل السماء ؛ ثم علل على تقدير الوصول يقدر على الآرتقاء على ظهرها، ثم على تقدير ذلك على منازعة بانيها وسامكها ومعليها.
ولما قال هذا مريداً به - كما تقدم - إيقاف قومه عن إتباع الحق، اتبعه تعالى الإشارة غلى أنهم فعلوا ما أراد، وإن كان ذلك هو الكبر عن الحق فقال تعالى :( واستكبروا ( اي وأوجد الكبر بغاية الرغبة فيه ) هو ( بقوله هذا الذي صدهم به عن السبيل ) وجنوده ( ببانصدادهم لشدة رغبتهم في الكبر على الحق والاتباع للباطل ) في الأرض ) أي أرض