صفحة رقم ٥٠٤
من ظباء الحرم وهي حولهم ترعى فقاموا إليها فسلخوها وطبخوا لحمها ليأتدموا به، فبينما قدرهم على النار تغالي بلحمة إذ خرجت من تحت القدر عنق من النار عظيمة فأحرقت القوم جميعاً ولم تحترق ثيابهم ولا أمتعتهم ولا السمرات الت كانوا تحتها.
وفي سيرة أبي ربيع بن سالم الكلاعي أنرجلاً من كنانة بن هذيل ظلم ابن عم له فخوفه بالدعاء في الحرم، فقال : هذه ناقتي فلانة اركبها فاذهب إليه فاجتهد في الدعاء، فجاء الحرم في الشهر الحرام، فقال : اللهم إني ادعوك جاهداً مضطراً على ابن عمي فلان ترميه بداء لا دوايء له، ثم انصرف فوجد ابن عمه قد رمي في بطنه فصار مثل الزق، فما زال ينتفخ حتى انشق، وأن عمر رضي الله عنه سال رجلاً من بني سليم عن ذهاب بصره، فقال : يا أمير المؤمنين كنا بني ضبعاء عشرة، وكان لنا ابن عم فكنا نظلمه فكان يذكرنا بالله، وبالرحم، فلما رأى أنا لا نكف عنه انتهى إلى الحرم في الأشهر الحرم فجعل يرفع يديه يقول :
لا همّ أدعوك دعاء جاهداً اقتل بني الضبعاء إلا واحدا ثم اضرب الرجل ودعه قاعداً أعمى إذا قيد يعي القائدا
قال : فمات إخوتي التسعة في تسعة اشهر في كل شهر واحد، وبيقت أنا فعميت، ورماني الله عز وجل في رجلي، فليس يلائمني قائد، فقال عمر رضي الله عنه : سبحان الله إن هذا لهو العجب، جعل الله هذا في الجاهلية إذ لا دين حرمة حرمها وشرفها، لينتكب الناس عن انتهاك ما حرم مخافة تعجيل العقوبة، فلما جاء الدين، صار الموعد الساعة، ويستجيب الله لمن يشاء، فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين انتهى.
وكأنه لمثل ذلك عبر بالتمكين ويتخطف الناس من حولهم كما يأتي تكيده في التي بعدها، وقد كان قبل ذلك بقعة من بقاع الأرض لا مزية له على غيره بنوع مزية، فالتقدير : إنما فعلنا ذلك بعد سكنى إسماعيل عليه الصلاة والسلام، توطئة لما أردنا من الحكم والأحكام، أو ليس الذي قدر على ذلك وفعله لمن يعبد غيره بقادر على حماية من يدخل في دينه، وقد صار من حزبه بأنواع الحمايات، وإعلائه على كل من يناويه إلى أعلى الدرجات، كما فعل في حمايتكم منهم ومن غيرهم من سائر المخالفين أعداء الدين.
ولما وصفه بالأمن، أتبعه ما تطلبه النفس لعده فقال :( يجبى ) أي يجمع ويجلب مما لا يرجونه ولا قدرة لهم على استجلابه ) إليه ) أي خاصة، دون غيره من جزيرة العرب ) ثمرات كل شيء ( من النبات الذي بأرض العرب من ثمر البلاد الحارة كالبسر والرطب والموز والنبق، والباردة كالعنب والتفاح والرمان والخوخ، وفي تعبيره بالمضارع وما بعده إشارة إلى الاستمرار وأنه يأتي إليه بعد ذلك من كل ما في الأرض