صفحة رقم ٥٥٤
رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) ٧٣
( ) ٧١
ولما كان - كما مضى - السياق للابتلاء، خص بالبسط في القص من لم يكن له ناصر من قومه، أو كان غريباً منها، ولذلك أتبع الخليل عليه الصلاة والسلام ابن أخيه الذي أرسله الله إلى أهل سدوم : ناس لا قرابة له فيهم ولا عشيرة، فقال :( ولوطاً ) أي أرسلناه، وأشار إلى إسراعه في الامتثال بقوله :( إذ ( اي وأرسناه حين ) قال لقومه ( أهل سدوم الذين سكن فيهم وصاهرهم وانقطع إليهم فصاروا قومه، حين فارق عمه إبراهيم الخليل عليهما السلام، منكراً ما رأى من حالهم، وقبيح فعالهم، مؤكداً له إشارة إلى أنه - مع كونه يرونه من أعرف المعارف - جدير بأن ينكر :( إنكم لتأتون الفاحشة ) أي المجاوزة للحد في القبح، فكأنها لذلك لا فاحشة غيرها.
ثم علل كونها فاحشة استئنافاً بقولهك ) ما سبقكم ( أو هي حال مبنية لعظيم جرأتهم على المنكر، أي غير مسبوقين ) بها ( وأعرق في النفي بقوله :( من أحد ( وزاد بقولهك ) من العالمين ) أي كلهم فضلاً عن خصوص الناسح ثم كرر الإنكار تأكيداً لتجاوز قبحها الذي ينكرونه فقال :( أئنكم لتأتون الرجال ( إتيان الشهوة، وعطف عليها ما ضموه إليها من المناكر، بياناً لاستحقاق الذم من وجوه، فأوجب حالهم ظن أنهم وصلوا من الخبث إلى حد لا مطمع في الرجوع عنه مع ملازمته لدعائهم من غير ملل ولا ضجر، فقال ) وتقطعون السبيل ) أي بأذى الجلابين والمارة.
ولما خص هذين الفسادين، عم دالاً على المجاهرة فقال :( وتأتون في ناديكم ) أي المكان الذي تجلسون فيه للتحدث بحيث يسمع بعضكم نداء بعض من مجلس المؤانسة، وهو ناد ما دام القوم فيه، فإذا قاموا عنه لم يسم بذلك ) المنكر ) أي هذا الجنس، وهو ما تنكره الشرائع والمروءات والعقول، ولا تتحاشون عن شيء منه في المجتمع الذي يتحاشى فيه الإنسان من فعل خلاف الأولى، من غير أن يستحي بعضكم من بعض ؛ ودل على عنادهم بقوله مسبباً عن هذه النصائح بالنهي عن تلك الفضائح :( فما كان جواب قومه ) أي الذين فيهم قوة ونجدة بحيث يخشى شرهم، ويتقي أذاهم وضرهم، لما أنكر عليهم ما أنكر ) إلا أن قالوا ( عناداً وجهلاً واستهزاء :( ائتنا بعذاب الله ( وعبروا بالاسم الأعظم زيادة في الجرأة.
ولما كان الإنكار ملزوماً للوعيد بأمر ضار قالوا :( إن كنت ) أي كوناً متمكناً ) من الصادقين ) أي في وعيدك وإرسالك، إلهاباً وتهييجاً.


الصفحة التالية
Icon