صفحة رقم ٥٧٠
هو كائن ونبأ ما كان من قبل وخبر ما يكون بعد المتيقن بوقوع أوائله وقوع جملته وصحة خبره، وبذلك يتضح أن ذا آيته نبي، ثم بما تضمنه من شهادته لذي آيته وتصريحه بذلك لمحمد ( ﷺ )، فصح أن محمداً ( ﷺ ) ذو ايته ؟، وإنه نبي ( ﷺ )، والمستعمل في ذلك أن محمداً ( ﷺ ) تحدى بهذا القرآن العرب الفصحاء واللد البلغاء، فلما لجؤوا للحرب وضح أنهم فروا لذلك المكان ما وجدوه في أنفسهم من العجز، وإذا عجز أؤلئك فمن بعدهم أحق بالعجز، فلما شمل العجز الكل من الخلق، وجب العلم بأن هذا القرآن حقن والمتحدي به نبي جاء بالصدق، وحاصله : لو لم تعجز العرب لم تحارب ثقل الحرب وخفة المعارضة لو استاطاعوان ولم يعارضوا وحاربوا فقد عجزوا، فثبت بذلك أنه نبي ( ﷺ ) انتهى.
ولما كان من المعلوم أنهم يقولون : نحن لا نصدق أن هذا الكتاب من عند الله فضلاً عن أن نكتفي به، قال :( قل ( اي جواباً لما قد يقولونه من نحو هذا :( كفى بالله ) أي الحائز لجميع العظمة وسائر الكمالات، الذي شهد لي بالرسالة في كتابة الذي أتبت أنه كلامه عجز الخلق عن معارضته.
ولما كانت العناية في هذه السورة بذكر الناس، وتفصيل أحوالهم، ابتدأ بقوله :( بيني وبينكم ( قبل قوله :( شهيداً ( بخلاف الرعد والأنعام، ثم وصف الشهيد أو علل كفايته بقوله :( يعلم ما في السماوات ) أي كلها.
ولما لم يكن للارض غير هذه التي يشاهدونها ذكر في إتيان الوحي والقرآن منها، افرد فقال :( والأرض ) أي لا يخفى عليه شيء من ذلك فهو عليم بما ينسبونه إليّ من التقول عليه وبما أنسبه أنا إليه من هذا القرآن الذي شهد لي به عجزم عنه فهو شاهد لي، والله في الحقيقة هو الشاهد لي، بما فيه من الثناء عليّ، والشهادة لي بالصدق، لأنه قد ثبت بالعجز عنه أنه كلامه وسيتحقق بالعقل إبطال المبطل منا.
ولما كان التقدير : وأنتم تعلمون أنه قد شهد لي بأني على الحق، وأن كل ما خالف ما جئت به فهو باطل، فالذين آمنوا بالحق وكفروا بالباطل فأؤلئك هو الفائزون، عطف عليه قوله :( والذين آمنو بالباطل ) أي الذي لا يجوز الإيمان به من كل معبود سوى الله ) وكفروا بالله ( الذي يجب الإيمان به والشكر له، لأنه له الكمال كله وكل ما سواه هالك ليس له من ذاته إلا العدم ) أؤلئك ( البعداء البغضاء ) هم ( اي خاصة ) الخاسرون ) أي الهريقون في الخسارة، فإنهم خسروا أنفسهم أبداً.
ولما كان قولهم مرة واحدة ( لولا أنزل عليه آية ) عجباً، أتى بعد إخباره بخسارتهم بأعجب منه، وهو استمرار استعجالهم بما لا قدرة لهم على شيء منه من عذاب الله


الصفحة التالية
Icon