صفحة رقم ٥٨٨
مرة إلى الروم فأخذ خزائن الروم، وبعث بها إلى كسرى، فخاف كسرى أن يتعغير عليه الأصبهبذ، لما قد نال من الظفر فبعث بقتله، فجاء الرجل إليه فرأى من عقله وتدبيره ما منعه من قتله وقال : مثل هذا لا يقتل، وأخبره ما جاء لأجله، فبعث إلى قيصر ملك الروم : إني اريد أن ألقاك، فالتقيا فقال له : إن الخبيث قد هم بقتلي، وإني أريد إهلاكه، فاجعل لي من نفسك ما أطمئن إليهن، أعطيك من بيوت أمواله مثل ما أصبت منك.
فأعطاه المواثيق، وسار قيصر في أربعين ألف مقاتل، فنزل بكسرى، فعلم كسرى كيف جرى الحال، فدعا قساً نصرانياً، يعني وكتب معه كتاباً.
وقال ابن مسكويه : وكان أبرويز وجه رجلاً من جله أصحابه في جيش جرار إلى بلاد الروم، فأنكى فيهم وبلغ منهم، وفتح الشامات وبلغ الدروب في آثارهم، فعظم أمره وخافه أبرويز فكاتبه بكتابين يأمره في أحدهما أن يستخلف على جيشه من يثق به ويقبل إليه، ويأمره في ألاخر أن يقيم بموضعه، فإنه لما تدبر أمره وأجال الرأي لم يجد من يسد مسده، ولم يأمن الخلل إن غاب عن موضعه، وأرسل بالكتابين رسولاً من ثقاته وقال له : أوصل الكتاب الأول بالأمر بالقدوم فإن خف لذلك فهو ما أردت، وإن كره وتثاقل عن الطاعة فاسكت عليه أياماً ثم أعلمه الكتاب الثاني ورد عليك وأوصله إليه ليقيم بموضعه.
فخرج رسول كسرى حتى ورد على صاحب الجيش ببلاد الشام، فأوصل الكتاب الأول إليه، فلما قرأه قال : إ / ا أن يكون كسرى قد تغير لي وكره موضعي، أو يكون قد اختلط عقله بصرف مثلي وأنا في نحر العدو، فدعا أصحابه وقرأ عليهم الكتاب فأنكروه، فلما كان بعد ثلاثة ايام أوصل إليه الكتاب الثاني بالمقام، وأوهمه أن رسولاً ورد به، فلما قرأه قال : هذا تخليط ولم يقع منه موقعاً، ودس إلى ملك الروم من ناظره في إيقاع صلح بينهما على أن يخلي الطريق لملك الروم حتى يدخل بلاد العراق على غرة من كسرى، وعلى ان لملك الروم ما يغلب عليه من دون العراق، وللفارسي ما وراء ذلك غلى بلاد فارس، فأجابه ملك الروم غلى ذلك وتنحى الفارسي عنه في ناحية من الجزيرة، وأخذ أفواه الطرق، فلم يعلم كسرى حتى ورد خبر ملك الروم عليه من ناحية قرقيسيا وكسرى غير معد وجنده متفرق في أعماله، فوثب من سريره مع قراءة الخبر وقال : هذا وقت حيلة، لا وقت شدة، وجعل ينكت في الأرض ملياً، ثم دعا برقّ وزكتب فيه كتاباً صغيراً بخط دقيق غلى صاحبه بالجزيرة يقول فيه : قد علمت ما كنت أمرتك به من مواصلة صاحب الروم وإطماعه في نفسك وتخليه الطريق له حتى إذا تولج في بلادنا أخذته من أماهه، وأخذته أنت ومن ندبناه لذلك من خلفه، فيكون ذلك بواره، وقد تم في هذا الوقت ما دبرناه، وميعدك في الإيقاع به يوم كذا وكذا، ثم دعا راهباً كان في دير بجانب مدينته