صفحة رقم ٥٩٠
أن أبنه ابرويز اصلح للملك منه، فلما يمع أبرويز بذلك خاف اباه على نفسه، فهرب إلى أذربيجان، ولما بلغ الجند الذين بحضرة هرمز خلعه أعجبهم، فضعف أمره، ثم أجمعوا على خلعه فخلعوه وسلموه، فكوتب أبرويز بذلك فبادر بهراماً فسبقه وجلس على سرير الملك، فأطاعه الناس ودخل على أبيه، وأعلمه أنه نائبه، واعتذر إليه بأن ما حصل له لم يكن عن رايه ولا برضاه ولا كان حاضره حتى يذب عنه، فعذره، وقصده بهرام فجرت بينهما أمور طويلة، وحروب هائلة، ضعف فيها ابرويز، وأحس من أصحابه فتوراً، وتبين فيهم فشلاً، فسار إلى أبيه وشاوره فرأى له المصير غلى ملك الروم، فنهض غلى ذلك في عدة يسيرة فيهم بنديه لأبرويز : اعطني بزتك وزينتك لأحتال لك وأبذل نفسي دونك، ففعل فأمره بالنجاة بمن معه، وأقام هو ي الدير، فلما أحيط به اطلع بندويه من فوق الدير فأوهمهم أنه ابرويز بما عليه من البزة والزينة، فظنوه وسالهم الإمهال غلى غد ليسلمهم نفسه فأمسكوا، وحفظ الدير بالحرس، فلما أصبحوا اطلع عليهم وقال : إن عليّ وعلى أصحابي بقية شغل من استعداد لصلوات وعبادات فأمهلونا، ولم يزل يدافع حتى مضى عامة النهار وعلم أن ابرويز قد فاتهم، ففتح حينئذ وأعلم قائدهم بأمرهم، فانصرف به غلى بهرام جوبين فحبسه.
ولما وصل ابرويز غلى أنطاكية كاتب ملك الروم وسأله نصرته، فأجابه وتوادا إلى أن زوجة ابنته مريم وحملها غليه، وبعث إليه ستين ألف مقاتل فيهم أخوة تياذوس وساله ترك الأتاوة التي كان آباؤه يسألونها ملوك الروم إذ هوملك، فاغتبط به أبرويز وسار بهم، فلما وصل غلى أداني أرضهم انضم غليه كثير من أهل فارس فاستظهر على بهرام، فقصد بهرام بلاد الترك فأكرمه ملكها، ولم يزل أبرويز يلاطف ملك الروم الذي نصره حتى وثبت الروم وارسل عليه في شيء أنكروه منه فقتلوه وملكوا غيره، ولجأ ابنه إلى أبرويز فملكه على الروم وارسل معه جنودداً كثيفة عليهم شهربراز، فدوخ عليهم البلاد، وملك صاحب كسرى بيت المقدس وقصد قسطنطسينية، فأناجوا على ضفة الخليج القريب منها، ولم يخضع لابن الملك الذي توجه كسرى أحد من الروم، وكانوا قد قتلوا الذي ملكوه بعد أبيه لما ظهر من فجوره وسوء تدبيره، وملكوا عليهم رجلاً يقال له هرقل.
وقال ابن الفرات : إن أبرويز بعث مع ابن الملك الذي كان نصره ثلاثة من قواده في جنود كثيرة كثيفة، أما أحدهم فإنه كان يقال له زميرزان وجهه إلى بلاد الشلام فدوخها حتى انتهى إلى بلاد فلبسطين، وورد مدينة بيت المقدس، واخذ أسقفها ومن كان فيها من القسيسين وسائر النصارى