صفحة رقم ٦٠٤
ولما كانوا ينكرون أنهم على كفر، أكد قوله :( وإن كثيراً من الناس ( مع ذلك على وضوحه ) بلقاىء ربهم ( الذي ملأهم إحساناً برجوعهم في الآخرة غلى العرض عليه للثواب والعقاب ) لكافرون ) أي لساترون ما في عقولهم من دلائل وحدانيته وحجج قدرته وحكمته ستراً عظيماً، كأنه غريزة لهم، فهم لذلك يكذبون بما وعدكم سبحانه من إدالة الروم على الفرس، فلا يهولنكم ذلك لأنهم قد كذبوا بما هو أكبر منه، وهو الآخرة على ما لها من الدلائل التي تفوت الحصر، وإذا راجعت ما تقدم في آية الأنعام ) ) وهو الذي خلقكم من طين ( ) [ آية : ٢ ] ازددت في هذا بصيرة.
الروم :( ٩ ) أو لم يسيروا.....
) أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( ( )
ولما أقام عليهم الدليلن أتبعه التهديد والتهويل، فقال عاطفاً على ( أولم يتفكروا ) ) أو لم يسيروا ( ولما أحاطت آثار المكذبين بمكة المشرفة شرقاً وغرباً، وجنوباً وشمالاً، بديار ثمود وقوم فرعون وعاد وسبأ وقوم ولوط، عرف وأطلق فقال :( في الأرض ) أي سير اعتبار وتأمل وادكار من أي جهة أرادوا، وفيه إشارة غلى أنهم واقفون عند النظر في ظاهر الملك بأبصارهم، قاصرون عن الاعتبار في باطن الملكوت بأفكارهم، وفيه هزٌّ لهم إلى امتطاء هذه الدرجة العلية، بهذه العبارة الجلية ) فينظروا (.
ولما كان ما حل بالماضيين أمراً عظيماً، نبه على عظمة بأنه أهل لأن يسأل عنه فقال :( كيف كان ) أي كوناً لا قدرة على الانفكاك عنه، وتذكير العمل يشير غلى عظم الأمر ) عاقبة ) أي آخر أمر ) الذين ( ولا كان حال من قرب من زمان الإنسان أوعظ له، اثت الجار فقال :( من قبلهم ( في إهلاك العاصي وإنجاء الطائعن ولما كان علم العقبة مشروطاً بمعرفة البادئة قال مستأنفاً :( كانوا ) أي كوناً هو في غاية المكنة.
ولما كان السياق للظهور والغلبة التي إنما مدارها على الشدة المقتضية للثبات، لا الكثرة العارية عنها، أعرض عنها وقال مسقطاً ضمير الفصل لأن هذا السياق لا يظهر فيه ادعاء العرب لعلوهم على فارس ولا الروم :( أشدَّ منهم ) أي من العرب ) قوة ) أي في أبدانهم وعقولهم، ولما كان التقدير : فنقبوا الجبال، وعلوا من متقن الصنائع التي ترونها من الأعمال ما لم يداينه أحد من الأجيال، عطف عليه قوله :( وأثاروا ( بالحرث وغيره ) الأرض ( فأخرجوا ما فيها من المنافع من المياه والمعادن والزروع وغير ذلك من المعادن ) وعمروها ) أي أؤلئك السالفون ) أكثر مما عمروها ( اي هؤلاء الذين


الصفحة التالية
Icon