صفحة رقم ٦٢٠
ولما كانت أداة التشبيه أدل، أثبتها فقال :( كخيفتكم أنفسكم ) أي كما تخافون بعض من تشاركونه ممن يساويكم في الحرية والعظمة أن تتصرفوا في الأمر المشترك بشيء لا يرضيه وبدون إذن، فظهر أن حالكم في عبيدكم مثل له فيمن أشركتموهم به موضح لبطلانه، فإذا لم ترضوا هذا لأنفسكم وهو أن يستوي عبيدكم معكم ف يالملك فكيف ترضونه بخالقكم في هذه الشركاء التي زعمتموها فتسوونها به وهي من أضعف خلقه أفلا تستحيون ؟.
ولما كان هذا المثال، في الذروة من الكمال، كان السامع جديراً بأن يقول : جل ألله ما أعلى شأن هذا البيان هل يبين كل شيء هكذا ؟ فقال :( كذلك ) أي مثل هذا البيان العالي ) نفصل ( اي نبين، لأن الفصل هو الميز وهو البيان، وذلك على وجه عظيم - بما اشار إليه التضعيف مع التجديد والاستمرار :( الآيات ) أي الدلالات الواضحات.
ولما كان البيان لا ينفع المسلوب قال :( لقوم يعقلون ( إشارة إلىأنهم إن لم يعلموا بمقتضى ذلك كانوا مجانين، لأن التمثيل يكشف المعاني بالتصوير والتشكيل كشفاً لا يدع لبساً، فمن خفي عليه لم يكن له تمييز.
ولما كان جوابهم قطعاً : ليس لنا شركاء بهذا الوصف، كان التقدير، فلم تتبعوا في الإشراك بالله دليلاً، فنسق عليه :( بل ( وكان الأصل : اتبعتم، ولكنه أعرض عنهم، إيذاناً بتناهي الغضب للعناد بعد البيان، وأظهر الوصف الحامل لهم على ذلك تعميماً وتعليقاً للكم به فقال :( اتبع ( اي بتكليف أنفسهم خلاف الفطرة الأولى ) الذين ظلموا ) أي وضعوا الشيء في غير موضعه فعل الماشي في الظلام ) أهواءهم ( وهو ما يميل إليه نفوسهم.
ولماكان اتباع الهوى قد يصادف الدليل، وإذا لم يصادف وكان من عالم رده عنه علمه قال :( بغير علم ( إشارة إلى بعدهم في الضلال لأن الجاهل يهيم على وجهه بلا مرجح غير الميل كالبهيمة لا يرده شيء، وأما العالم فربما رده علمه.
ولما كان هذا ربما اوقع في بعض الأوهام أن هذا يغير إرادته سبحانه، دل بفاء السبب على أن التقدير : وهذا ضلال منهم بإرادة الله، فلما أساؤوا بإعراقهم فيه كانت عاقبتهم السوء والخذلان، لأنهم أبعدوا أنفسهم ع أسباب الهدى :( فمن يهدي ( اي بغير إرادة الله، ولفت الكلام من مظهر العظمة إلى أعظم منه بذكر الاسم الأعظم لاقتضاء الحال فقال :( من أضل الله ( الذبي له الأمر كله، ودل بواو العطف على أن التقدير : ليس أحد يهيدهم لأنهم ابعدوا أنفسهم عن أسباب الهدى فبعدوا عن اسباب النصر لأنهم صاروا على جرف هار في كل أمورهم، فلذا حسن موضع تعقيبه بقوله :( وما لهم (


الصفحة التالية
Icon