صفحة رقم ٦٢١
وأعرق في النفي فقال :( من ناصرين ) أي من الأصنام ولا غيرها يخلصونهم مما هم فيه من الخذلان وأسر الشيطان، ومما يسببه والنيرانونفى الجميع دون الواحد لأن العقل ناصر لهم بما هو مهيأ له من الفهم واتباع دليل السمع لو استعملوه، أو لأنه ورد جواباً لنحو
٧٧ ( ) واتخذوا من دون اله آلهة ليكونوا لهم عزاً لعلهم ينصرون ( ) ٧
[ مريم : ٨١ ] أو للإشارة إلى أن تتبع الهوى لا ينفع في تلافي أمره إلا أعوان كثيرون ودل على نفي الواحد
٧٧ ( ) ا تجزي نفس عن نفس ( ) ٧
[ البقرة : ١٢٣ ]، و
٧٧ ( ) أن الكافرين لا مولى لهم ( ) ٧
[ محمد : ١١ ] و
٧٧ ( ) فما له من قوة ولا ناصر ( ) ٧
[ الطارق : ١٠ ] في أمثالها.
ولما تحررت الأدلة، وانتصبي الأعلام، واتضحت الخفايا، وصرحت الإشارات، وأفصحت ألسن العبارات، اقبل على خلاصة الخلق، إيذاناً بأنه لا يفهم ذلك حق فهمه غيره، فقال مسبباً عن ذلك ممثلاً لإقباله واستقامته وثباته :( فاقم وجهك ( اي قصدك كله ) للدين ) أي نصباً بحيث تغيب عما سواه، فلا تلتفلت عنه أصلاً فلا تنفك عن المراقبة، فإن من اهتم بشيء سدد إليه نظره، وقوم له وجهه.
ثم عرض بجلافة أهل الضلال وغشاوتهم، وكثافتهم وغباوتهم، وجمودهم وقساوتهم، بقوله :( حنيفاً ) أي حال كونك ميالاً مع الدليل هيناً ليناً نافذ الصبر نير البصيرة ساري الفكر سريع الانتقال طائر الخاطر، ثم بين أن هذا الأمر في طبع كل أحد وإن كانوا فيه متفاوتين كما تراهم إذا كانوا صغاراً أسهل شيء انقياداً، ولكنه لما يكشف لهم الحال في كثير من الأشياء عن أن انقيادهم كان خطأ يصيرون يدربون أنفسهم على المخالفة دائماً حتى تصير لبعضهم طبعاً تجريبياً فيصير أقسى شيء وأجمده بعد أن كان أسهل شيء وأطوعه، وأكثر ما يكون هذا قرناء السوء الذين يقولون ما لا يفعلون، ولهذا نهى أن يوعد الطفل بما لا حقيقة له : روى أحمد وابن أبي الدنيا من طريق الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال المنذري : ولم يسمع منه أن النبي ( ﷺ ) قال :( من قال لصبي : تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة )، ولأبي داود والبيهقي وابن عامر - أن أمه رضي الله عنها قالت له : تعالَ أعطيك، فقال لها رسول الله ( ﷺ ) :( ما اردت أن تعطيه ؟ قالت : تمراً، فقال : أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة )، فقال مبيناً لهم صحة دينه بأمر هو في