صفحة رقم ٦٣٥
فغير النظم ليدل مع دلالته كما ترى على ما حذف على أن إكراما لمؤمنين هو المقصود بالذات، وهو بعينه إرغام الكافرين، وعبر في شق المؤمنين بالمنتهى الذي هو المراد من محبة الله لأنه أسرّ.
وفي جانب الكافرين بالمبدأ الذي هو مجاز لأنه أنكأ وأضر.
ولما ختم في أول السورة الآيات الدالة على الوحدانية المستلزمة للبعث لأن به تمام ظهور الحكمة، وانكشاف غطاء القلوب عن صفات العظمة، بأن قيام السماء والأرض بأمره وابتع ذلك ما اشتد التحامه به، وختمه ببعض الكافرين بعد ذكر يوم البعث، اتبعه ذكر ما حفظ به قيلم الوجود، وهو ارياح، يجعله سبباً في إدرار النعم التي منها ما هو أعظم أدلة البعث وهو النبات، وهي بجملتها دليل ذلك وسبب القرار في البر والسير في البحر الموصل لمنافع بعض البلاد إلى بعض، وبذلك انتظم الأمر لأهل الأرض، فاستعمل المؤمن منهم ما رزقه سبحانه من العقل في النظر في ذلك حتى أداه إلى شكره فأحبه، واقتصر الكافر على الدأب فيما يستجلب به تلك النعم ويستكثرها، فابطره ذلك فأوصله إلى كفره فأبغضه، والرياح ايضاً أشبه شيء بالناس، منها النافع نفعاً كبيراً، ومنها الضار ضراً كثيراً، فقال :( ومن آياته ) أي الدلالات الواضحة الدالة علم كمال قدرته وتمام علمه الدال على أنه هو وحده الذي اقام هذا الوجود، وكما أنه أقامه فهو يقبم وجوداً خر هو زبدة الأمر، ومحط الحكمة، وهو أبدع منهذا الوجود، يبعث فيه الخلق بعد فنائهم، ويتجلى لفصل القضاء بينهم، فيأخذ بالحق لمظلومهم من طالمهم، ثم يصدعهم فيجعل فريقاً منهم في الجنة دار الإعانة والكرامة، وفريقاً في السعير غار الإهانة والملامة ) أن يرسل الرياح ( على سبيل التجدد والاستمرار، وهي ما عدا الدبور المشار في الحديث الشريف إلى الاستعاذة منها ( اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً ) وقد تقم من شرحي لها عند
٧٧ ( ) من يرسل الرياح بشرا ( ) ٧
في النمل [ ٦٣ ] ما فيه كفاية، وفي جمعها المجمع عليه هنا لوصفها بالجمع إشارة إلى باهر القدرة، فإن تحويل الريح الواحدة من جهة إلى أخرى أمر عظيم لا قدرة لغيره عليه في الفضاء الواسع، وكذا إسكانه، فكيف إذا كانت رياح متعاكسة، ففي إثارتها كذلك ثم إسكانها من باهر القدرة ما لا يعلمه إلا أولو البصائر ) مبشرات ) أي لكم بكل ما فيه نفعكم من المطر والروح وبرد الأكباد ولذة العيش.
ولما كان التقدير : ليهلك بها من يشاء من عباده، أو ليدفع عنكم ما يحصل بفقدها من نقمته من الحر، وما يتبعه من انتشار المفسدات، واضمحلال المصلحات،


الصفحة التالية
Icon