صفحة رقم ٦٣٦
وطواه لأن السياق لذكر النعم، عطف عليه قوله مثبتاً اللام إيضاحاً للمعطوف عليه :( وليذيقكم ( وأشار إلى عظمة نعمة بالتبعيض في قوله :( من رحمته ) أي نعمه من المياه العذبة والأشجار الرطبة، وصحة الأبدان، وخصب الزمان، وما يتبع ذلك من أمور لا يحصيها إلا خالقها، ولا يتصورها حق تصورها إلا من فقد الرياح، من وجود الروح وزكاء الأرض وإزالة العفونة من الهواء والإعانة على تذرية الحبوب وغير ذلك، وأشار إلى عظمة هذه النعمة وإلى أنها صارت لكثرة الإلف مغفولاً عنها بإعادة اللام فقال :( ولتجري الفلك ) أي السفن في جميع البحار وما جرى مجراها عند هبوبها.
ولما أسند الجري إلى الفلك نزعه منها بقوله :( بأمره ( اي بما يلائم من الرياح اللينة، وإذا أراد أعصفها فأغرقت، أو جعلها متعاكسة فحيرت ورددت، حتى يحتال الملاحون بكل حيلة على إيقاف السفن لئلا تتلف.
ولما كان كل من مجرد السير في البحر والتوصل به من بلد إلى بلد نعمة في نفسه، عطف على ) لتجري ( قوله، منبهاً بإعادة اللام إيضاحاً للمعطوف عليه على تعظيم النعمة :( ولتبتغوا ) أي تطلبوا طلباً ماضياً بذلك السير، وعظم ما عنده بالتبعيض في قوله :( من فضله ( مما يسخر لكم من الريح بالسفر للمتجر من بلد إلى بلد والجهاد وغيره ) ولعلكم ) أي ولتكونوا إذا فعل بكم ذلك على رجاء منأنكم ) تشكرون ( ما أفاض عليكم سبحانه مننعمه، ودفع عنكم من نقمه.
ولما كان التقدير : فمن أذاقه من رحمته، ومن كفر أنزل عليه من نقمته، وكان السياق كله لنصر أوليائه وقهر أعدائه، وكانت الرياح مبشرات ومنذرات كالرسل، وكانت موصوفة بالخير كما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ( فلرسول الله ( ﷺ ) حين يلقاه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة ) وكانت في كثرة منافعها وعمومها إن كا نت نافعة، ومضارها إن كانت ضارة، أشبه شيء بالرسل في إنعاش قوم وإهلاك آخرين، وما ينشأ عنها كما ينشأ عنهم.
كما قال النبي ( ﷺ ) فيما رواه الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه : البخاري في العلم، ومسلم في المناقب ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكانت طائفة منها طيبة فقبلت الماء وأنتبت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها طائفة أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، واصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء