صفحة رقم ٧٢
ولما كان كأنه قيل : بما أجابوا هذا المقال ؟ قيل ) قالوا ( حين لا نفع لقولهم عند نزول البأس :( ياويلنا ( إشارة إلى أنه حل بهم لأنه لا ينادي إلا القريب، وترفقاً له كما يقول الشخص لمن يضربه : يا سيدي - كأنه يستغيث به ليكف عنه، وذلك غباوة منهم، وعمى عن الذي أحلهه بهم، لأنهم كالبهئم لا ينظرون إلا السبب الأقرب ؛ ثم عللو حلوله بهم تأكيداً لترفقهم بقولهم :( إنا كنا ) أي جبلة لنا وطبعاً ) ظالمين ( حيث كذبنا الرسل، وعصينا أر ربنا، فاعترفوا حيث لم ينفعهم الاعتراف لفوات محله ) فما ) أي فتسبب عن إحلالنا ذلك البأس بهم أنه ما ) زالت تلك ) أي الدعوة البعيدة عن الخير والسلامة، وهي فولهم : ياويلنا ) دعواهم ( يرددونها لا يكون دعوى لهم غيرها، لأن الويل ملازم لهم غير منفك عنهم، وترفقهم له غير نافعهم ) حتى جعلناهم ( بما لنا من العظمة ) حصيداً ( كالزرع المحصود.
ولما كان هذا وما بعده مثل حلو حامض في الزمان، جعلا خبراً واحدداً ليكون ( جعل ) مقتصراً على مفعولين فقال :( خادمين ) أي جامعين للانقطاع والخفوت، لا حركة لهم ولا صوت، كالنار المضطرمة إذا بطل لهيبها ثم جمرها وصارت رماداً، ولم يك ينفعهم إيمانهم واعترافهم بالظلم وخضوعهم لما رأوا بأسنا.
الأنبياء :( ١٦ - ٢٠ ) وما خلقنا السماء.....
) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ( ( )
ولما ذمهم باللعب وبين أنه يفعل في إهلاك الظلم وإنجاء العدل فعل الجاد بإحقاق الحق بالانتقام لأهله، وإزهاق الباطل باجتثاثه من أصله، فكان التقدير : وما ينبغي لنا أن نفعل غير ذلك من أفعال الحكمة العرية عن اللعب، فلم نخلق الناس عبثاً يعصوننا ولا يؤاخذون، عطف عليه قوله :( وما خلقنا ) أي بعظمتنا التي تقتضي الجد ولا بد.
ولما كان خلق السماء واحدة يكفي في الدلالة على الحكمة فكيف بأكثر منها وحّد فقال :( السماء ( اي على علوها وإحكامها ) وارض ( على عظمها واتساعها ) وما بينهما ( مما دبرناه لتمام المنافع من أصناف الدائع وغرائب الصنائع ) لاعيبن ( غير مريدين بذلك تحقيق الحقائق وإبطال الأباطيل، بل خلقنا لكم ذلك آية عظيمة كافية في الوصول إلينا ليظهر العدل في جزاء كل بما يستحق، مشحونة بما يقوت الأجسام،