صفحة رقم ٧٦
والأراضي وما فيهما المتفرد بالتدبير، كما يتفرد الملك الجالس على السرير ) عما يصفون ( مما يوهم نقصاً ما، ثم علل ذلك بقوله :( لا يسأل ) أي من سائل ما ) عما يفعل ) أي لا يعترض عليه لأنه كفوء له في علم ولا حكمة ولا قدرة ولا عظمة ولا غير ذلك، فليس في شيء من أفعاله لإتقانها موضع سؤال، فمهما أراد كان ومهما قال فالحسن الجميل، فلو شاء لعذب أهل سماواته وأهل أرضه، وكان ذلك منه عدلاً حسناً، وهذا مما يتمادح به أولو الهمم العوال، كما قال عامر الخصفي في هاشم بن حرملة بن الأشعر :
أحيا أباه هاشم بن حرملة يوم الهبات ويوم اليعمله ترى الملوك عنده مغربلة يقتل ذا الذنب من لا ذنب له
قال ابن هشام في مقدمة السيرة قبل ( أمر البسل ) بقليل : أأنشدني أبو عبيدة هذه الأبيات وحدثيني أن هاشماً، ثم قال البيت الثاني فلم يعجبه، ثم قال الثالث فلم يعجبه، فلما قال الرابع ( ويقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له ) أعجبه فأثابه عليه، ومن أعجب ما رأيت في حكم الأقدمين أن الشهر ستاني قال في الملل : وقد سأل بعض الدهرية أرسطاطاليس فقال : إذا كان لم يزل ولا شيء غيره ثم أحدث العالم فلم أحدثه ؟ فقال :( لِمَ ) غير جائز عليه، لأن لم تقتضي علة والعلة محمولة فيما هي علة له من معلّ فوقه ولا علة فوقه، وليس بمركب فتحمل ذاته العلل، فلم عنه منفية.
) وهم يسألون ( من كل سائل لما في أفعالهم نم الاختلال بل يمنعون عن أكثر ما يريدون.
ولما قام ا لدليل، ووضح السبيل، واضمحل كل قال وقيل، فانمحقت الأباطيل، قال منبهاً لهم على ذلك :( أم ) أي رجعوا عن ضلا لهم لما بان لهم غيهم فيه فوحدوا الله أم ) اتخذوا ( ونبه على كل شيء دونه وأثبت أن آلهتهم بعض من ذلك بإثبات الجار فقال منبهاً لهم مكرراً لما مضى على وجه أعم، طالباً البرهان تلويحاً إلى التهديد :( من دونه ءالهة ( من السماء أو الأرض وغيرهما.
ولما كان جوابهم : اتخذنا، ولا يرجع أمره بجوابهم فقال :( قل هاتوا برهانكم ( على ما ادعيتموه من عقل أو نقل كما أثبت أنا ببرهان النقل المؤيج بالعقل.
ولما كان الكريم سبحانه لا يؤاخذ بمخالفة العقل ما لم ينضم إليه دليل النقل، أتبعه قوله مشيراً إلى ما بعث الله به الرسل من الكتب :( هذا ذكر ) أي موعظة وشرف


الصفحة التالية
Icon