صفحة رقم ٨٢
قيل : فينفيان كل شديد، ويبليان كل جديد، فعطف عليه قوله :( وما جعلنا ) أي بما لنا من العظمة التي اقتضت تفردنا بالبقاء ) لبشر ( وحقق عدم هذا الجعل بإثبات الجار فقال :( من قبلك الخلد ( ناظراً إلى قوله ) وما كانوا خالدين ( بعد قوله ) هل هذا إلا بشر مثلكم ( وهذا من أقوى الأدلة على أن الخضر عليه السلام مات، ويجاب بأن الحياة الطويلة ليست خلداً كما في حق عيسى عليه السلام، لكن قوله عليه السلام :( اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض بعداليوم ) وقوله :( ) لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد ( وقوله :( ( وددنا أن موسى عليه السالم صبر فقص علينا من أمرهما ) في أمثال ذلك، يدل على موته دلالة لا تقبل ادعاء حياته بعدها إلا بأظهر منه.
ولما كان قولهم )
٧٧ ( ) بل هو شاعر ( ) ٧
[ الأنبياء : ٥ ] مشيراً غلى أنهم قالوا نتربص به ريب المنون كما اتفق لغيره من الشعراء، وكان ينبغي أن لا ينتظر أحد لآخر من الأذى إلا ما يتحقق سلامته هو منه، توجه الإنكار عليهم والتسلية له بمنع شماتتهم في قوله :( أفائن ) أي يتمنون موتك فإن ) مت فهم ) أي خاصة ) الخالدون ( فالمنكر تقدير خلودهم على تقدير موته الموجب لإنكار تمنيهم لموته، فحق الهمزة الموجب لإنكار تمنيهم لموته، فحق الهمزةدخولها على الجزاء، وهو فهم، وإنما قارنت الشرط لأن الاستفهام الصدر.
ولما تم ذلك، أنتج قطعاً :( كل نفس ) أي منكم ومن غيركم ) ذاقة الموت ) أي فلا يفرح أحد ولا يحزن بموت أحد، بل يشتغل بما يهمه، وإليه الإشارة بقوله :( ونبلوكم ) أي نعاملكم معلملة المبتلي المختبر المظهر في عالم الشهادة الشاكر والصابر والمؤمن والكافر كما هوو عندنات في علام الغيب بأن نخالطهم ) بالشر ( الذي هو طبع النفوس، فهي أسرع شيء إليه، فلا ينجو منه إلا من أخلصناه لنا ) والخير ( مخالطة كبيرة، وأكد البلاء بمصدر من معناه مقرون بالهاء تعظيماً له فقال :( فتنة ) أي كما يفتن الذهب إذا أريدت تتصفية بمخالطة النار له، على حالة عظيمة محيلة مميلة لكم لا يتبت لها إلا الموفق ) وإلينا ) أي بعد الموت لا إلى غيرنا ) ترجعون ( للجزاء حيث لا حكم لأحد أصلاً لا ظاهراً ولا باطناً كما هذه الدار بنفوذ الحكم فلا يكون إلا ما نريد فاشتغلوا بما ينجيكم منا، ولا تلتفتوا إلى غيره، فإن الأمر صعب، وجدوا فإن الحال جد.


الصفحة التالية
Icon