صفحة رقم ١١٧
خالف أمرك، وكان المقام لخطاب المقبلين، طوى هذا المقدر لأنه للمعرضين، ودل عليه بقوله عاطفاً عليه :( وبشر المؤمنين ) أي الذين صح لهم هذا الوصف.
فإنك مبشر ) بأن لهم ( وبين عظمة هذه البشرى بقوله :( من الله ) أي الذي له جميع صفات الحسنة إلى ما لا يعلمه إلا الله.
ولما أمره سبحانه يسر نهاه عما يضر، فقال ذاكراً ثمرة النذارة :( ولا تطع الكافرين ) أي المشاققين ) والمنافقين ) أي لا تترك إبلاغ شيء مما أنزلته إليك من الإنزال، وغيره كراهة شيء من مقالهم أو فعالهم في أمر زينب أو غيرها، فإنك نذير لهم، وزاد على ما في أول السورة محط الفائدة في قوله مصرحاً بما اقتضاه ما قبله :( ودع ) أي اترك على حالة حسنة بك وأمر جميل لك ) أذاهم ( فلا تراقبه في شيء، ولا تحسب له حساباً أصلاً، واصبر عليه فإنه غير ضائرك لأن الله دافع عنك لأنك داع بإذنه.
ولما كان ترك المؤذي، والإعراض عنه استسلاماً في غاية المشقة، ذكره بالدواء فقال :( وتوكل على الله ) أي الملك الأعلى في الانتصار لك منهم وإبلاغ جميع ما يأمرك به وفي أمرك لأن الله متم نورك ومظهر دينك والاكتفاء به من ثمرات إنارته لك بجعلك سراجاً، ولما كان الوكيل قد لا ينهض بجميع الأمور، قال معلماً بأن كفايته محيطه :( وكفى ( وأكد أمر الكفاية بإيجاد الباء في الفاعل تحقيقاً لكونه فاعلاً كما مضى في آخر سورة الرعد فقال :( بالله ) أي الذي له بالإحاطة الكاملة، وميز النسبة بالفاعل في الأصل لزيادة التأكيد في تحقيق معنى الفاعل فقال :( وكيلاً ( فمن اكتفى به أنار له جميع أمره.
ولما أمر سبحانه بإبلاغ أوامره من غير التفاف إلى أحد غيره، وكان من المعلوم أنه لا بد في ذلك من محاولات ومنازعات، لا يقوم بها إلا من أعرض عن الخلائق، لما هو مشاهد له من عظمة الخالق، أمر سبحانه بالتوكل عليه، وأقام الدليل الشهودي بقصة الأحزاب وقريظة على كفاية لمن أخلص له، فلما تم الدليل رجع إلى بيان ما افتح به السورة من الأحكام بعد إعادة الأمر بالتوكل، فذكر أقرب الطلاق إلى معنى المظاهرة المذكورة أول السورة بعد الأمر بالتوكل التي محط قصدها عدم قربان المظاهر عنها بعد أن كان أبطل المظاهر.
فقال ناهياً لمن هو في أدنى أسنان الإيمان بعد بشارة المؤمنين قاطعاً لهم عما كانوا يشتدون به في التحجر على المرأة المطلقة لقصد مضاجرتها أو تمام التمكن من التحكم فيه :( يا أيها الذين آمنوا ) أي ادعوا ذلك ) إذا نكحتم ) أي عاقدتم،


الصفحة التالية
Icon