صفحة رقم ١١٨
أطلق اسم المسبب على السبب فقد صار فيه حقيقة شرعية ) المؤمنات ) أي الموصوفات بهذا الوصف الشريف المقتضي لغاية الرغبة فيهن وأتم الوصلة بينكم وبينهن.
ولما كان طول مدة الحبس بالعقد من غير جماع لا يغير الحكم في العدة وإن غيرها في النسب بمجرد إمكان الوطئ، وكان الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح وبعد حل الوطئ بالنكاح، أشار إليه بحرف التراخي فقال :( ثم طلقتموهن ) أي بحكم التوزيع، وقيل لابن عباس : إن ابن مسعود رضي الله عنهم يقول بصحة تعليق الطلاق قبل النكاح فقال : زلة علم - وتلا هذه الآية.
ولما كان المقصود نفي الميسيس في هذا النكاح لا مطلقاً، وكانت العبرة في إيجاب المهر بنفس الوطئ لا بإمكانه وإن حصلت الخلوة، أدخل الجار فقال :( من قبل أن يسموهن ) أي تجامعوهن، أطلق المسّ على الجماع لأنه طريق له كما سمي الخمر إثماً لأنها سببه.
ولما كانت العدة حقاً للرجال قال :( فما لكم ( ولما كانت العدة واجبة، عبر بأداة الاستعلاء فقال :( عليهن ( وأكد النفي بإثبات الجار في قوله :( من عدة ( ودل اعتيادهم ذلك ومبالغتهم فيه والمضاجرة به كما في الظهار بالافتعال فقال :( تعتدونها ) أي تتكلفون عدها وتراعونه، وروي عن ابن كثير من طريق البزي شاذاً بتخفيف الدال بمعنى تتكلفون الاعتداء بها على المنطقة.
ولما كان هذا الحكم - الذي معناه الانفصال - للمؤمنات اللاتي لهن صفات تقتضي دوام العشرة وتمام الاتصال، كان ذلك للكتابيات من باب الأولى، وفائدة التقييد والإرشاد إلى أنه لا ينبغي العدول عن المؤمنات بل ولا عن الصالحات من المؤمنات.
ولما كان الكلام كما أشير إليه في امرأة قريبة من المظاهر عنها، وكان ما خلا من الفرض للصداق أقرب إلى ذلك، سبب عما مضى قوله :( فمتعوهن ( ولم يصرح بأن ذلك لغير من سمى لها التدخل المسمى لها في الكلام على طريق الندب مع ما لها من نصف المسمى كما دخلت الأولى وجوباً ) وسرحوهن ) أي أطلقوهن ليخرجن من منازلكم ولا تعتلوا عليهن بعلة ) سراحاً جميلاً ( بالإحسان قولاً وفعلاً من غير ضرار بوجه أصلاً ليتزوجهن من شاء.
ولما كان النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وكان المراد الأعظم في هذه الآيات بيان ما شرفه الله به من ذلك، أتبع ما بين أنه لا عدة فيه من نكاح المؤمنين وما حرمه عليهم من التضييق على الزوجات المطلقات بعض ما شرفه الله تعالى به وخصه من أمر التوسعة في النكاح، وختمه بأن أزواجه لا تحل بعده، فهن كمن عدتهن ثابتة لا تنقضي