صفحة رقم ١٣٢
على غير ذلك فليحذوره كل أحد في حال الخلوة كما يحذره في حال الجلوة، فبا لها من عظمة باهرة، سطوة ظاهرة قاهرة، يحق لكل أحد أن يبكي منها الدماء فضلاً عن الدموع، وأن تمنعه مريع القرار ولذيذ الهجوع، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قال :( أستأذن عليّ أفلح أخو أبي القعيس رضي الله عنه بعم ما أنزل الحجاب، فقلت : لا آذن له حتى استأذن فيه النبي ( ﷺ ) فإن أخاه أبا القعيس ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل عليّ النبي ( ﷺ ) فقلت : يا رسول الله أفلح أخا أبي القعيس استأذن فأبيت أن آذن له حتى أستأذنك، فقال رسول الله ( ﷺ ) : وما يمنعك ؟ قلت : يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فقال : ائذني له فإنه عمك تربت يمينك، قال عروة : فلذلك كانت عائشة رضي الله عنها تقول : حرموا من الرضاعة ما تحرموا من النسب ).
ولما كانت هذه الآيات وما قبلها وما بعدها في إظهار شرف النبي ( ﷺ ) وبيان مناقبه، علل الأوامر فيها والنواهي وغيرها بقوله، مؤكداً لاقتضاء الحال ذلك أما ممن آذاه بالجلوس في غير حينه فواضح، وأما غيره فكان من حقهم أن لا يفارقوا المجلس حتى يعلموا من لا يعرف الأدب، فكان تهاونهم في ذلك فعل من لا يريد إظهار شرفه ( ﷺ ) فهو تأديب وترهيب :( إن الله ) أي وعملكم محيط بأن له مجامع الكبر والعظمة والعز ) وملائكته ) أي وهم أهل النزهة والقرب والعصمة.
ولما كان سبحانه قد قدم قوله :( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ) فأفرد كلاً بخبر، وكان النبي ( ﷺ ) أعلى المخاطبين حظاً فإنه رأس المؤمنين، أفرده هنا بهذه الصلاة التي جمع فيها الملائكة الكرام معه سبحانه وجعل الخبر عنه قولاً واحداً ليكون أتم، فإن قولك : فلان وفلان ينصران فلاناً، أضخم من قولك : فلان ينصره وفلان، فقال تعالى :( يصلون على النبي ) أي يظهرون شرفه وما له من الوصلة بالملك الأعظم بما يوحيه الله إليه من عجائب الخلق والأمر من عالم الغيب والشهادة، وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما كما وراه البخاري :( يبركون ).
ولما كانت ثمرة المراد بهذا الإعلام التأسي، علم بآخر الكلام أن المعنى :