صفحة رقم ١٣٥
أباح أذاهم ) فقد احتملوا ) أي كلفهم أنفسهم أن حملوا ) بهتاناً ) أي كذباً وفجوراً زائداً على الحد موجباً للخزي في الدنيا، ولما كان من الناس من لا يؤثر فيه العار، وكان الأذى قد يكون بغير القول، قال :( وغثماً مبيناً ) أي ذنباً ظاهراً جداً موجباً للعذاب في الأخرى.
ولما نهى سبحانه عن أذى المؤمنات، وكانت الحرائر بعيدات عن طمع المفسدين لما لهن في أنفسهن من الصيانة وللرجال بهن من العناية، وكان جماعة من أهل الريبة يتبعون الإماء إذا خرجن يتعرضون لهن للفساد، وكان الحرائر يخرجن لحاجتهن ليلاً، فكان ربما تبع المرأة منهن أحد من أهل الريب يظنها أمه أو يعرف أنه حرة ويعتل بأنه ظنها أمه فيتعرض لها، وربما رجع فقال لأصحابه : فعلت بها - وهو كاذب، وفي القوم من يعرف أنها فلانة، فيحصل بذلك من الأذى ما يقصر عنه الوصف، ولم يكن إذ ذاك كما نقل عن مقاتل فرق بين الحرة ويتحشمن يخفف هذا الشر، قال تعالى :( يا أيها النبي ( فذكره بالوصف الذي هو منبع المعرفة والحكمة، لأن السياق لحكمة يذب بها عن الحريم لئلا يشتغل فكره ( ﷺ ) بما يحصل لهن من الأذى عن تلقي شيء من الواردات الربانية ) قل لأزواجك ( بدأ بهن لما لهن به من الوصلة بالنكاح ) وبناتك ( ثنى بهن لما لهن من الوصلة ولهن في أنفسهن من الشرف، وأخرهن عن الأزواج لأن زواجه يكفوفه أمرهن ) ونشاء المؤمنين يدنين ) أي يقربن ) عليهن ) أي على وجوهن في لباسهن إذا خرجن لحاجتهن بكشف الشعور ونحوها ظناً أن ذلك أخفى لهن وأستر، والجلباب القميص، وثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة، والملحفة ما ستر اللباس، أو الخمار وهو كل ما غطى الرأس، وقال البغوي : الجلباب : الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقال حمزة الكرماني : قال الخليل : كل ما تستتر به من دثار وشعار وكساء فهو جلباب، والكل يصح إرادته هنا، فإن كان المراد القميص فإدناؤه إسباغه حتى يغطي يديها ورجليها، وإن كان ما يغطي الرأس فادناؤه ستر وجهها وعنقها، وإن كان المراد ما يغطي الثياب فادناؤه تطويله وتوسيعه بحيث ستر جميع بدنها وثيابها، وإن كان المراد ما دون الملحفة فالمراد ستر الوجه واليدين.
ولما أمر بذلك علله بقوله :( ذلك ) أي الستر ) أدنى ) أي أقرب من تركه في ) أن يعرفن ( أنهن حرائر بما يميزهن عن الإماء ) فلا ) أي فيتسبب عن معرفتهن أن لا ) يؤذين ( ممن يتعرض للإماء.
فلا يشتغل قلبك عن تلقي ما يرد عليك من الأنباء


الصفحة التالية
Icon