صفحة رقم ١٤١
الأحزاب :( ٧٢ - ٧٣ ) إنا عرضنا الأمانة.....
) إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ( ( )
ولما كان التقدير : ومن لم يطع فقد خسر خسراناً مبيناً، وكان كل شيء عرض على شيء فالمعروض عليه متمكن من المعروض قادر عليه، وكان كل شيء أودعه الله شيئاً فحفظه ورعاه وبذله لأهله وآتاه باذلاً للأمانة غير حامل لها.
وكل من أودعه شيئاً فضيعه وضمن به عن أهله ومنعه عن مستحقه خائن فيه حامل له، وكان الله تعالى قد أودع الناس من العقول ما يميزون به بين الصحيح والفاسد، ومن القوى الظاهرة ما يصرفونه فيما أرادوا من المعصية والطاعة، فمنهم من استدل بعقله على كل من المحق والمبطل فبذل له من قواه ما يستحقه، فكان باذلاً للأمانة غير حامل لها، ومنهم من عكس ذلك وهم الأكثر فكان حاملاً لها خائناً فيها أمر به من بذلها، وأودع سبحانه الأكوان ما فيها من المنافع من المياه والمعادن والنباتات فبذلته ولم تمنعه من أحد طلبه مع أن منعها له في حيِّز الإمكان، قال تعالى معلىً للأمر بالتقوى، أو مستأنفاً مؤكداً تنبيهاً على أن هذا الأمر مما يحق أن يؤكد تنبيهاً على دقته، وأنه مما لا يكاد أن يفطن له كثير من الناس فضلاً على أن يصدقوه لافتاً القول إلى مظهر العظمة دلالة على عظيم جرأة الإنسان :( إنا عرضنا الأمانة ) أي أداءها أو حملها أو منعها أهلها، وهي طاعته سبحانه فيما أمر به العاقل، وفيما أراده من غيره، ولم يذكر المياه والرياح لأنهما من جملة ما في الكونين من الأمانات اللاتي يؤديانها على حسب الأمر ) على السموات ( بما فيها من المنافع ) والأرض ( بما فيها من المرافق والمعادن.
ولما أريد التصريح بالتعميم قال :( والجبال ( ولأن أكثر المنافع فيها ) فأبين ( على عظم أجرامها وقوة أركانها وسعة أرجائها ) أي يحملنها ( فيمنعها ويحبسنها عن أهلها، قال الزمخشري : من قولك : فلان حامل للأمانة ومحتمل لها، أي لا يؤيها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمته ويخرج عن عهدتها، لأن الأمانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها وهو حاملها، ألا تراهم يقولون : ركبته الديون ولي عليه حق، فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حاملاً لها ) وأشفقن منها ( فبدل كل منهن ما أودعه الله فيه في وقته كما أراده الله، وهو معنى : أتينا طائعين، والحاصل أنه جعلت الإرادة وهي الأمر التكويني في حق الأكوان لكونها لا تعقل كالأمر التكليفي التكويني في حقنا لأنا نعقل تمييزاً بين من يعقل ومن لا يعقل في الحكم، كما ميز بينهما في الفهم إعطاءً لكل منهما ما يستحقه رتبته - وهذا هو معنى