صفحة رقم ١٥٦
ولما كان الجواب : ليس به شيء من ذلك، عطف عليه مخبراً عن بعض الذين كفروا بما يوجب ردع البعض الآخر قوله :( بل الذين لا يؤمنون ) أي لا يجددون الإيمان لأنهم طبعوا على الكفر ) بالآخرة ) أي الفطرة الآخرة التي أدل شيء عليها الفطرة الأولى.
ولما كان هذا القول مسبباً عن ضلالهم، وكان ضلالهم سبباً لعذابهم، قدم العذاب لأنه المحط وليرتدع من أراد الله إيمانه فقال :( في العذاب ) أي في الدنيا بمحاولة إبطال ما أراد الله إتمامه، وفي الآخرة لما فيه من المعصية، وأتبعه سببه فقال :( والظلال ) أي عما يلزم من وجوب وحدانيته وشمول قدرته بسبب أن له ما في السماوات وما في الأرض.
ولما كان قولهم بعيداً من الحق لوصفهم أهدى الناس بالضلال، وكان الضلال يبعد ببعد صاحبه عن الجادة وتوغله في المهامه الوعرة الشاسعة، قال واصفاً له بوصف الضال :( البعيد ( فبين الوصف أنه لا يمكن الانفكاك عنه، وعلم أن من الذين كفروا قسماً لم يطبعوا على الكفر، فضلوا ضلالاً قريباً يمكن انفكاكهم عنه، وهم الذين آمنوا منهم بعد، وهو من بديع القول حيث عبر بها الظاهر الذي أفهم هذا التقسيم موضع الإضمار الذي كان حقه : بل هم في كذا.
ولما كانوا قد أنكروا الساعة لقطعهم بأن من مزق كل ممزق لا يمكن إعادته، فقطعوا جهلاً بأن الله تعالى لا يقول ذلك، فنسبوا الصادق ( ﷺ ) في الإخبار بذلك إلى أحد أمرين : تعمد الكذب أو الجنون.
شرع سبحانه يدل على صدقه في جميع ما أخبر به، فبدأ بإثبات قدرته على ذلك مستند إلى ضلالهم بسبب غفلتهم عن تدبر الآيات، فكان المعنى : ضلوا فلم يروا، فدل عليه منكراً عليهم مهدداً لهم مقرراً لذوي العقول من السامعين بقوله :( أفلم يروا ( ونبه على أنهم في محل بعد عن الإبصار النافع بحف النهاية فقال :( إلى ما بين أيديهم ) أي أمامهم ) وما خلفهم ( وذلك إشارة إلى جميع الجوانب من كل الخافقين وأنهما قد أحاطا بهم كغيرهم.
ولما لم تدع حاجة إلى الجمع أفرد فقال :( من السماء والأرض ) أي الذين جعلنا مطلع السورة أن لنا كل ما فيهما.
ولما كان الإنكار لأئقاً بمقام العظمة، فكان المعنى : إنا نفعل بهما وفيهما ما نشاء، عبر بقوله :( إن نشأ ( بما لنا من العظمة - على قراءة الجمهور ) نخسف ) أي تغور ) بهم ( وأدغم الكسائي إلى أنه سبحانه قد يفعل ذلك في أسرع من اللمح بحيث يدرك لأكثر الناس وقد يفعله على وجه الوضوح وهو أكثر - بما أشارت إليه قراءة


الصفحة التالية
Icon