صفحة رقم ١٧٣
ولما كان كل من أمريهم هذين في العمارة والخراب أمراً باهراً دالاً على أمور كثيرة، منها القدرة على الساعة التي هي مقصود السورة بالنقلة من النعيم إلى الجحيم والحشر إلا ما لا يريد الإنسان كما حشر أهل سبأ إلى كثير من أقطار البلاد كما هو مشهور في قصتهم، قال منبهاً على ذلك مستأنفاً على طريق الاستنتاج، مؤكداً تنبيهاً على إنعام النظر فيه، لما له من الدلالة على صفات الكمال :( إن في ذلك ) أي الأمر العظيم ) لآيات ) أي دلالات بينة جداً على قدرة الله تعالى للذوات والصفات بالخسف والمسخ، فإنه لا فرق بين خارق وخارق، وعلى أن بطرهم لتلك النعمة حتى ملوها ودعوا بإزالتها دليل على أن الإنسان ما دام حياً فهو في نعمة يجب عليه شكرها كائنة ما كانت وإن كان يراها بلية، لأنه لما طبع عليه من القلق كثيراً ما يرى النعم نقماً، واللذاة ألماً، ولذلك ختم الآية بالصبر بصيغة المبالغة.
ولما كان الصبر حبس النفس عن أغراضها الفاسدة وأهويتها المعمية، وكانت مخالفة الهوى أشد ما يكون على نفس وأشق، وكانت النعم تبطر وتطغي، وتفسد وتلهي، فكان عطف النفوس إلى الشكر بعد جماعها بطغيان النعن صعباً، وكانت قريش قد شاركت سبأ فيما ذكر وزادت عليهم برغد العيش وسهولة إيتان الرزق بما حببهم به وبلدهم إلى العباد بدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام مع آمن البلد وجلالة النسب وعظيم المنصب كما اشار إليه قوله تعالى
٧٧ ( ) وضرب الله مثلاً ثربة كانت - آمنة مطمئنة ( ) ٧
[ النحل : ١٢٢ ] قال تعالى محذراً لهم مثل عقوبتهم :( لكل صبار شكور ) أي من جميع بني آدم، مشيراً بصيغة المبالغة إلى ذلك كله، وأن من لم يكن في طبعه الصبر والشكر لا يقدر على ذلك، وأن من ليس في طبعه الصبر فاته الشكر.
ولما كان المعنى : آيات في أن تخالفوا إبليس فلا تصدقوا ظنه في احتناكهم حيث
٧٧ ( ) لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلاً ( ) ٧
[ الإسراء : ٦٢ ] قال مؤكداً لإنكار كل أحد أن يكون صدق ظن إبليس فيه :( ولقد ) أي كان في ذلك آيات مانعة من اتباع الشيطان والحال أنه قد ) صدق (.
ولما كان في استغوائهم غالباً لهم في إركابهم ما تشهد عقولهم بأنه ضلال، أشار إلى ذلك بأداة الاستعلاء فقال :( عليهم ) أي على ذرية آدم عليه السلام.
ولما كان في سياق الإثبات لعظمة الله وما عنده من الخير وما له من التصرف التام الداعي ذلك إلى الإقبال إليه وقصر الهمم عليه، عبر بقوله تعالى ) إبليس ( الذي هو من البلس وهو ما لا خير عنده - والإبلاس - وهو اليأس من كل خير - ليكون ذلك أعظم