صفحة رقم ١٧٤
في التبكيت والتوبيخ ) ظنه ) أي في قوله :( ) لأحتنكن ذريته إلا قليلاً ( ) [ الإسراء : ٦٢ ] ) ) ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك ( ) [ الحجر : ٣٩ ] ) ) ولا تجد أكثرهم شاكرين ( ) [ الأعراف : ١٧ ] فكأنه لما قال ذلك على سبيل الظن تقاضاه ظنه الصدق فصدقه في إعمال الحيلة حتى كان ذلك الظن - هذا على قراءة الجماعة بالتخفيف، وأما على قراءة الكوفيين بالتشديد فالمعنى أنه جعل ظنه الذي كان يمكن تكذيبه فيه قبل التحقق صادقاً، بحيث لا يمكن أحداً تكذيبه فيه، ولذلك سبب سبحانه عنه قوله :( فاتبعوه ) أي بغاية الجهد بميل الطبع والاستلذاذ الموجب للنزوع والترامي بعضهم في الكفران وبعضهم في مطلق العصيان.
ولما كان المحدث عنهم جمعي الناس، عرف به الاستثناء المعرف لقلة الناجين فقال :( إلا فريقاً ) أي ناساً لهم القدرة على تفريق كلمة أهل الكفر وفض جمعهم وإن كانوا بالنسبة إليهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ) من المؤمنين ) أي العريقين في الإيمان، فكانوا خالصين لله مخلصين في عبادته، وأما غيرهم فمالوا معه، وكان منهم المقل ومنهم المكثر بالهفوات والزلات الصغائر والكبارئر.
سبأ :( ٢١ - ٢٣ ) وما كان له.....
) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ( ( )
ولما كان ذلك ربما أوهم أن لإبليس أمراً بنفسه، نفاه بقوله :( وما ) أي والحال أنه ما ) كان ( أصلاً ) له عليهم ) أي الذين اتبعوه ولا غيرهم، وأعرق فيما هو الحق من النفي بقوله :( من سلطان ) أي تسلط قاهر لشيء من الأشياء بوجه لأنه مثلهم في كونه عبداً عاجزاً مقهوراً، ذليلاً خائفاً مدحوراً، قال القشيري : هو مسلط، ولو أمكنه أن يضل غيره أمكنه أن يمسك على الهداية نفسه ) إلا ) أي لكن نحن سلطناه عليهم بسلطاننا وملكناه قيادهم بقهرنا ؛ وعبر عن التمييز الذي هو سبب العلم بالعلم فقال :( لنعلم ) أي بما لنا من العظمة ) من يؤمن ) أي يوجد الإيمان لله ) بالآخرة ) أي ليتعلق علمنا بذلك في عالم الشهادة في حال تميزه تعلقاً تقوم به الحجة في مجاري عادات البشر كما كان متعلقاً به في عالم الغيب ) ممن هو منها ) أي من الآخرة ) في شك ( فهو لا يتجدد له بها إيمان أصلاً، لأن الشك ظرف له محيط به، وإنما استعار


الصفحة التالية
Icon