صفحة رقم ٢٣٢
ولما كان المراد توهية أمر شركائهم، وكانت تحصل بسلب قدرتهم على ما مكن فيه سبحانه العابدين من الأرض، أدخل الجار دلالة على أنهم على كثرتهم وامتداد أزمنتهم لا يملؤون مسكنهم بتدبيره لإماتة كل قرن واستخلاف من بعدهم عنهم، ولو لم يمتهم لم تسعهم الأرض مع التوالد على طول الزمان، وهم في الأصل قطعة يسيرة من ترابها فقال :( في الأرض ) أي فيما أنتم فيه منها لا غيره تتصرفون فيه بما قدرتم عليه، ولو شاء لم يصرفكم فيه، فمن حقه أن تشكروه ولا تكفروه.
ولما ثبت أن ذلك نعمة منه، عمرهم فيه مدة يتذكر فيه من تذكر، تسبب عنه قوله :( فمن كفر ) أي بعد علمه بأن الله هو الذي مكنه لا غيره، واحتقر هذه النعمة السنية ) فعليه ) أي خاصة ) كفره ) أي ضرره.
ولما كان كون الشيء على الشيء محتملاً لأمور، بيّن حاله بقوله مؤكداً لأجل من يتوهم أن بسط الدنيا على الفاجر ربح وإكرام من الله له ) ولا ) أي والحال لأنه لا ) يزيد الكافرين ) أي المغطين للحق ) كفرهم ) أي الذي هم متلبسون به ظانون أنه يسعدهم وهو راسخون فيه غير متمكنين عنه، ولذا لم يقل : لا يزيد من كفر قد يكون كفره غير راسخ فيسلم ) عند ربهم ) أي المحسن إليهم ) إلا مقتاً ) أي لأنه يعاملهم معاملة من يبغض ويحتقر أشد بغض واحتقار.
ولما كان المراد من هذه الصفات في حق الله تعالى غاياتها، وكان ذكرها إنما هو تصوير له بأفظع صورها لزيادة التنفير من أسبابها، وكانوا ينكحون نساء الآباء مع أنهم يسمونه نكاح المقت، نبه على أنهم لا يبالون بالتمقت إلى المحسن، فقال ذاكراً للغاية مبيناً أن محط نظرهم الخسارة المالية تسفيلاً لهممهم زيادة في توبيخهم :( ولا يزيد الكافرين ) أي العريقين في صفة التغطية للحق ) كفرهم إلا خساراً ) أي في الدنيا والآخرة في المال والنفس وهو نهاية ما يفعله الماقت بالممقوت.
ولما بيّن أنه سبحانه هو الذي استخلفهم، أكد بيان ذلك عندهم بأمره ( ﷺ ) بما يضطرهم إلى الإعتراف به فقال :( قل أرايتم ) أي أخبروني ) شركاءكم ( أضافهم إليهم لأنهم وإن كانوا جعلوهم شركاءه لم ينالوا شيئاً من شركته لأنهم ما نقصوه شيئاً من ملكه، وإنما شاركوا العابدين في أموالهم بالشوائب وغيرها وفي أعمالهم فهم شركاؤهم بالحقيقة لا شركاؤه، ثم بين المراد من عدهم لهم شركاء بقوله :( الذين تدعون ) أي تدعونهم شركاء ) من دون الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال.
ولما كان التقدير : بأي شيء جعلتموهم شركاء في العبادة، ألهم شرك في الأرض، بنى عليه قوله مككراً لإشهادهم عجز شركائهم ونقص من عبدوه من دونه :