صفحة رقم ٢٤٥
ذكر إعراضهم مع عظيم هذه البراهين وتكذيبهم وسوء حالهم عند بعثهم وندمهم وتوبيخهم وشهادة اعضائهم بأعمالهم، ثم تناسجت الآية جارية على ما يلائم ما تقدم إلى آخر السورة - انتهى.
ولما كان كأنه قيل : ما هذا أرسل به ؟ كان كأنه قيل جوباً لمن سأل : هو القرآن الذي وقع الإقسام به وهو ) تنزيل ( أو حاله كونه تنزيل ) العزيز ) أي المتصف بجميع صفات الكمال.
ولما كانت هذه الصفة للقهر والغلبة، وكان ذلك لا يكون صفة كمال إلا بالرحمة قال :( الرحيم ) أي الحاوي لجميع صفات الإكرام الذي ينعم على من يشاء من عباده بعد الإنعام بإيجادهم بما يقيمهم على المنهاج الذي يرضاه لهم، فهو الواحد الذي لا مثل له أصلاً لما قهر به من عزته، وجبر به من رحمته.
نزل إليك وهو في جلالة النظم وجزالة القول وحلاوة السبك وقوة التركيب ورصانة الوضع وحكيم المعاني وإحكام المباني في أعلى ذرى الإعجاز، وجعل إنزاله تدريجاً بحسب المصالح مطابقاً مطابقة أعجزت الخلائق عن أن يأتوا بمثلها، ثم نظمه على غير ترتيب النزول نظماً أعجز الخلق عن أند يدركوا جميع المراد من بحور معانيه وحكيم مبانيه، فكله إعجاز على ما له من أطناب وإيجاز.
ولما ذكر المرسَل والمرسَل به والمرسِل ؛ ذكر المرسَل له فقال :( لتنذر قوماً ) أي ذوي بأس وقوة وذكاء وفطنة ) ما أنذر ) أي لم ينذر أصلاً ) آباؤهم ) أي الذين غيروا دين أعظم آبائهم إبراهيم عليه السلام ومن أتى بعدهم عند فترة الرسل.
ولما كان عدم الإنذار موجباً لاستيلاء الحظوظ والشهوات على العقل فيحصل عن ذلك الغفلة عن طريق النجاة قال :( فهم ) أي بسبب زمان الفترة ) غافلون
) أي المعنى على ان ( ما ) مفعول ثان لتنذر : أي لتنذرهم الذي أنذره آباؤهم الذين كانوا قبل التغيير، فإن هؤلاء غافلون عن ذلك لطول الزمان وحدوث النسيان.
يس :( ٧ - ١١ ) لقد حق القول.....
) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ( ( )
ولما كان تطاول الإقامة على شيء موجباً للإلف له، والإلف قتال لما يوجب من الإصرار على المألوف لمحبته ( وحبك للشيء ويصم ) قال جواباً لمن يتوقع الجواب عما أثمرته حالهم :( لقد حق القول ) أي الكامل في بابه وهو إيجاب العذاب


الصفحة التالية
Icon